ولا يجوز شرعاً التهاون في تطبيق الحدود الشرعية.....
هذا ناهيك عمن يتضجرو يسخر منها بحجج باطلة والعياذ بالله
إن من طبيعة البشر أن يكون لهم إرادات متباينة ونزعات مختلفة، {إن سعيكم لشتى} ولما كانت النـزعات إلى الباطل والشر في ضرورة إلى ما يكبح جماحها و يخفف من حدتها من وازع إيماني أو رادع سلطاني جاءت النصوص الكثيرة بالتحذير من الباطل والشر، والترغيب في الحق والخير وبيان ما يترتب على الباطل والشر من مفاسد في الدنيا وعقوبة في الآخرة وما يترتب على الحق والخير من مصالح في الدنيا ومثوبات نعيم في الآخرة. ولكن لما كان هذا الوازع لا يكفي في إصلاح بعض النفوس الشريرة فرض الشارع برحمته وحكمته عقوبات دنيوية وحدوداً متنوعة بحسب الجرائم لتردع المعتدي وتصلح الفاسد وتقيم الأعوج وتظهر الملة وتستقيم الأمة .أوجب على ولاة الأمور إقامة حدوده على الشريف والوضيع والغني والفقير والذكر والأنثى والقريب منهم والبعيد ولقد قال النبي لأسامة بن زيد رضي الله عنهما: حين شفع إليه في امرأة من بني مخزوم كانت تستعير الشيء فتجحده فأمر النبي بقطع يدها فشفع فيها أسامة، فأنكر عليه النبي قال: ((أتشفع في حد من حدود الله" ثم قام فخطب وقال: "إنما أهلك الذين كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله - أي أحلف بالله - لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). متفق عليه.
لذا شرع الله حدوده ليعيش المرء آمناً في سربه..روحه مصونة فلا تزهق، ودمه محقون فلا يراق، ونسبه كريم صاف فلا يلوث وعرضه سليم فلا يقذف ولا يوصم به، وماله محفوظ فلا تمتد إليها يد سارق وعقله باق لا يذهبه مسكر ولامخدر. وبالمقابل، فما من أمة ضيعت أمر الله وحدوده إلا شاع فيها الذعر والفزع والاضطراب. وباجتراء الناس على محارم الله وإمساك الأمة عن إقامة الحدود والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، تلحقهم اللعنة، كما لحقت بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.
لقد فرض الله عقوبة القاذف الذي يرمي الشخص المحصن البعيد عن تهمة الزنا فيقول: يا زاني أو يا زانية، فمن قال له ذلك، قيل له: إما أن تأتي بالبينة الشرعية على ما قلت وإما حد في ظهرك، فإذا لم يأت بها عوقب بثلاث عقوبات: يجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة أبدا، ويحكم بفسقه فيخرج عن العدالة، إلا أن يتوب، قال الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}. وإنما أوجب الله عقوبته بتلك العقوبات حماية للأعراض ودفعاً عن تهمة المقذوف البريء البعيد عن التهمة.
وفرض الله عقوبة الزاني وجعلها على نوعين: نوع: بالجلد مائة جلدة أمام الناس ثم ينفى عن البلد لمدة سنة كاملة، وذلك فيما إذا لم يسبق له زواج تمتع فيه بنعمة الجماع المباح، يقول الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}. ويقول النبي : ((البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)). والنوع الثاني من عقوبة الزناة: الرجم بالحجارة حتى يموت وتلك العقوبة فيمن سبق له زواج تمتع فيه بالجماع المباح. لأن هذه العقوبة كفارة للذة محرمة اهتز لها جميع بدنه، فكان من المناسب والحكمة أن تشمل العقوبة جميع بدنه بألم تلك الحجارة. {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا}.
أما اللواط وهو إتيان الذكر، فذلكم الفاحشة العظمى والجريمة النكراء، هدم للأخلاق، ومحق للرجولة، وجلب للدمار، وسبب للخزي والعار، وقلب للأوضاع الطبيعية، تمتع في غير محله، واستحلال في غير حِلّه، الفاعل ظالم لنفسه حيث جرها إلى هذه الجريمة، والمفعول به مع ذلك مُهين لنفسه حيث رضي أن يكون من الرجال بمنـزلة النسوان، ولا ترضاها حتى البهائم، ففي الحديث عن النبي أنه قال: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به))، و "لم يختلف أصحاب رسول الله في قتله سواء كان فاعلا أم مفعولا به، ولكن اختلفوا كيف يقتل فقال بعضهم: يرجم بالحجارة، وقال بعضهم: يلقى من أعلى شاهق في البلد، وقال بعضهم: يحرق بالنار".
وأما السرقة والتي هي اعتداء على أموال الناس وهي من أحب الأشياء إلى النفوس، فقد قرر الشرع لهذه الجريمة عقوبة القطع حتى يكون عبرة لغيره بالكف عن اقتراف هذه الجريمة، فيطمئن كل فرد في المجتمع على ماله ونفسه وأهله.
والخمر كفى بها أنها أم الكبائر، ولذا كانت عقوبته الجلد والضرب بالنعال ليكون ذلك رادعًا له ولغيره من تعاطيها. والمحاربون الساعون في الأرض بالفساد، المضرمون لنيران الفتن، كانت عقوبة هذه الجريمة أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض.
إن إقامة الحدود الشرعية، وتطهير المجتمع من بذور الإجرام، قد أثار حقد أعوان الشيطان من القانونيين الكفرة، فبدؤوا يلقون الشبه حول تطبيق القوانين الوضعية، التى شقي بها معظم المجتمعات، فهم يريدون أن يعم الشقاء حيث زعموا أن إقامة الحدود ضرباً عنيفاً من القسوة العاتية التي تتنافى مع الإنسانية الرحيمة، ومع الشفقة التي يجب أن يتحلى بها الناس والتي تساير المدنية الحديثة والحضارة الراقية المهذبة!! إلى آخر ما قالوا من هذه العبارات الجوفاء الخاوية ونقول لهؤلاء: نعم إن في إقامة الحدود مظهراً من مظاهر الشدة التى تسمونها قسوة، ولا بد لكل عقوبة أن يكون فيها مظهر شدة أياً كانت، وإذا لم تشتمل العقوبة على شيء من الشدة فأي أثر لها في الزجر والردع؟! ثم أسأل عقول هؤلاء، إن كانت لهم عقول: ما الذي حمل على هذه القسوة في نظركم؟ وما الذي دفع القاضي أن يحكم بهذه القسوة؟. إن الذي دعا إلى هذا هو شيء أشد منه قسوة، ولو تركنا هذه العقوبة القاسية فيما تزعمون، لوقعنا في أمر أقسى من العقوبة وأقسى من موجبها، فمن الرحمة والشفقة أن تقيم الحد، ففيه رحمة بالمحدود، وبمن اعتدي عليه، ألا ترون الطبيب الماهر الذي يستأصل بمبضعه جزء حياً من جسم أخيه الإنسان، أليست عملية البتر وضرب المبضع في اللحم الحي مظهراً من مظاهر القسوة؟ وهل يستطيع أن يمارس هذه العملية إلا قلب قوي يعد في نظركم أيها المترفون قلباً قاسياً؟! ولكنها لو تعلمون قسوة هي الرحمة بعينها، وبخاصة إذا قيست بما يترتب على تركها. فحرصا على سلامة المجتمع من سرطان الجريمة كان من الحزم الواجب استئصال العضو المريض الذي لا يرجى من بقائه إلا الفساد والإفساد. فإذا العضو الفاسد أغلق قلبه، فلم يقبل نصحاً، وألغى إنسانيته فلم يعرف رحمة ولا شفقة، فكان الجزاء من جنس العمل {جزاء وفاقا}
ومن هذه الشبه أيضاً قالوا: ولماذا كان القتل في حد المحصن رجماً بالحجارة، أليس ذلك تحقيراً للإنسانية وازدراء لها؟! أليس هناك وسائل للقتل أرحم وأحسن وأسرع؟! فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وأي إحسان في القتل بالرجم؟! أليس الصعق مثلاً أو الشنق أخف على المحدود؟! نقول لهؤلاء: على رسلكم أيها الرحماء كما تزعمون! إن هذا قتل لا يراد منه الإزهاق الروحي وكفى، وإنما المراد من هذا القتل الزجر والردع عن مقارفة الجريمة الشنعاء، فليكن القتل بطريقة تليق بمن اقترف هذا الإثم المستقذر البشع، ومن الحكمة في حد المحصن أن يكون الرجم بالحجارة ليتألمَ جميعُ بدنه، كما تلذذ بشهوة الزنى بجميع بدنه، والذي فرض العقوبة وقدرها وبين كيف تكون، إنما هو العليم الخبير، الذى يعلم خبايا النفس البشرية، {والله يعلم المفسد من المصلح}. إن الله جل وعلا هو الذي خلقنا وهو الذي أوجدنا، وهو أعلم بشؤوننا وما يصلح لنا وما لا يصلح، الله جل وعلا عندما يُشرِّع لعباده، فإنه سبحانه يشرع ما يكون رحمة لهم، وإن كان في أنظارنا القاصرة قسوة وشدة، الله جل وعلا لم يخلقنا ويوجدنا ليعذبنا، ولكن خلقنا سبحانه لنعبده، ونتقيد بأحكامه رحمة بنا.
إن الرحمة التي ينشدها الإسلام هي الرحمة العامة التي تتسع لعموم الناس ومن بينهم المجرمين، وليست الرحمة التي تنحصر بالمجرمين ويتضرر منها سائر الناس.
إن العقوبة أيها الأخوة عندما تكون لينة هشة فإنها تغري بارتكاب الجرائم في الدماء والأموال والأعراض، فتكون شقاء على العامة، وسبباً لإهدار حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم لحساب القتلة والسُرَّاق والزناة، ولكن عندما تكون العقوبة أليمة موجعة، فإنها تكون رحمة للجميع، بمن فيهم بمرتادي الإجرام لأنها تزجرهم عن ارتكاب الجرائم ابتداءً، فتسلم لهم أنفسهم من العقاب، {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب....}
لقد اضطرت بعض الدول الكافرة أخيراً إلى تشديد عقوبة السرقة في أنظمتها بعد أن تبين لهم بأن عقوبة السجن لم تعد تجدي، ولم يخفف من كثرة ارتكاب هذه الجريمة، حتى سنّت بعض الدول إعدام السارق رمياً بالرصاص، وهي أقسى عقوبة ممكنة عندهم.
إن كل عمل من شأنه أن يعطل إقامة الحدود فهو تعطيل لأحكام الله ومحاربة له لأن ذلك من شأنه إقرار المنكر وإشاعة الشر. إنه يُحرم أن يشفع أحدٌ أو يعمل على تعطيل حدٍّ من حدود الله، لأن في ذلك تفويتاً لمصلحة محققة، وإغراء بارتكاب الجنايات، ورضاً بإفلات المجرم من تَبِعات جُرمه. إنه لا يجوز أن يصل الأمر للقاضي، ثم يأتي من يريد أن يشفع في القضية، لأن هذا يصرف القاضي عن وظيفته الأولى ويفتح الباب لتعطيل الحدود. كم من الظلم يحصل بسبب تدخل بعض الجهات في وظائف القضاة. روى الإمام أحمد وأهل السنن من حديث صفوان بن أمية أن النبي قال لما أراد أن يقـطع الذي سرق رداءه فشفع فيه فقال: ((هلا كان قبل أن تأتيني به)).
إن شمول دين الله جل وعلا، وكماله وعدالته، أنه يأمر بالستر على العصاة والمجرمين أحياناً، والإسلام لا يقيم الحدود إلا إذا ثبتت وظهر أمرها واستفحل خطرها، لكن ما دام في القضية شبهة، فإن الحدود تُدرأ بالشبهات وما دام الأمر لم يصل للسلطان أو القاضي، فإن الستر والتوبة ممكنة.
إن الحدود إذا أقيمت كانت مكفرة لصاحبها، فهي إضافة إلى أنها إقامة لشريعة الله، وحفظاً للمجتمع، فإن من فوائدها على الفرد المجرم نفسه، أنها تسقط عنه عقوبة الآخرة، وهذا لا شك أنها في مصلحته لأن عقوبة الآخرة، لا تقاس بعقوبة الدنيا. فإذا تخلينا عن إقامة الحدود فإن هذه العقوبة الشرعية التي كان من المفروض أن نقوم بها نحن، تتحول بإذن الله تعالى إلى عقوبة كونية عامة، وإذا كان الحد الشرعي إنما يتناول العاصي فقط، فإن العقوبة الكونية العامة قد تشمل المباشر للجريمة وغير المباشر، ولهذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كُلِّم في المخزومية التي كانت تسرق، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أسامة بن زيد حبَّه وابن حِبّه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله؟! ثم قال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها»
هنالك إحصائية وبالأرقام عن معدل الجريمة في الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الدولة التي تنادي بحقوق الإنسان، وتعترض على الدول التي يطبق فيها شرع الله على المجرمين.تقول الإحصائية وهي منشورة عن وكالة التحقيق الفدرالية والتي تسمى (إف بي آي) بأن الجرائم في أمريكا جريمة كل 3 ثوان، ويشير التقرير إلى أن جريمة قتل ترتكب كل 27 دقيقة، وجريمة اغتصاب كل 7 دقائق، وجريمة سرقة كل 63 ثانية، وسرقة سيارة كل 31 ثانية، وسطو على منـزل كل 10 ثوان، وسرقة أمتعة صغيرة كل 5 ثوان. وللعاقل أن يحكم. إنه لا نظام ولا أمن ولا قوة، إلا في تحكيم شرع الله بلا تهاون لإنه ليس بين الله جل وعلا وبين أحدٍ نسب، إنها سنن، وإنه دين، من أخذه فاز في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنه، أو قصرفإنها مطارق السنن الإلهية ولا محالة. {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا}.