شبان في طرف الحيشان!!

زائر

شبان في طرف الحيشان
ما رأيكم بظاهرة قطعان من الشباب متكدسة عند نواصي البيوت و الحانات جموع غفيرة منهم بالكاد تخلو منهم حارة في مدينة أو زقاق في قرية؛ إنهم يحتلون قوارع الطرقات دونما أدنى اكتراث لإعطائها أبسط شيء من حقوق إنسانيتها. خامات بشرية متسكعة لا شغل لها ولا شاغل و لا مشغلة ، إنما يهدرون كميات مهولة من الوقت و أطناناً من الجهد في غير أيما طائل: البتلقاه يبرم في شعرو ويطقطق في رقبتو برا شغلة، و البتلقاه دارع ليه سلك نازل من أضينه متل الدرب، وأصابعيهو يبعبصن ليهن في نصيبة و لا بشوف و بسمع و كان ضربت فوقو الزاقر ما يجيب خبر، ولا كان قرصتو ولا ضبانة دخلت خشمو ومرقت و لا يحس بأي حاجة.
بقليل من التأمل الإيحائي، لعلنا نجد تفسيرات للظاهرة لا تخلو من الغرابة والمنطلق أيضاً: فأول تبادي ، من ناحية جغرافية بحتة يمكن تصنيفنا كبلاد من ذوات المناح الحار بامتياز بدرجات تعلو و لا يعلى عليها أبداً على وجه الكرة الأرضية باسرها. و من الطبيعي جداً والمبلوع منطقياً أن نخرج من جحورنا طلباً لنسمة (هوى) طايرة حتى لا نتفسخ. لذا نلجأ في إقامة (لماتنا) في العراء: حيث ننصب سرادق عزائنا و صيوانات أفراحنا فوق أنفاس الناس ولا يهمنا بأن نؤرق مضجع النائم و نقطع كراع الحايم. هذا فضلاً عن كون الظاهرة لها جذور ضاربة في القدم وتعتبر ابنة شرعة و محورة وراثياً عما كان يعرف ب"قعاد الضللة"، وهي آفة قديمة ربما نكون ورثناها كابراً عن كابر من أبهاتنا وأجدادنا(ومن شابه أبها فما ظلم) و لكن للأمانة والتاريخ/ فإن أول من رسخ فينا تلك العادات السيئة وأجراها في دمائنا هم العلوج المستعمرين من أبناء الفرنجة والذين تجنوا علينا منذ العام 1913 بإقامة أضخم مشروع زراعي في أفريقيا و الشرق الأوسط ،و تناسوا عن عمد أو (بغير عمد نراها) أننا قوم رعاة شاة ظاعنون، نجيد الحلب والصر و لا نخشى بأس الكر والفر؛ و أما الحرث و الزرع فحضارة متطورة ما لناش فيها. ولا عندنا أدنى صيبة في أنماط الحياة المستقرة. مما أوهمنا بأننا صرنا أمراء اقطاعيين ما بين سهوة وانتباهتها .. فآثرنا الخلود إلى أسباب الداعة والراحة، ثم جلبنا السواعد السمراء لتغزو حقولنا وتنعم بالعيش وسط مروجنا الخضراء، بينما فضلنا (كاسرين كرونة) في ضل الضحى حتى إذا انحسر تزحزحنا ناحية ضل العصير ندبها فطور بملاح الروب المنعس أصلاً ثم نتغدى بأم جنون (الموية والقرون) ونلعب السيجة والمنقلة والتي ندمنها لدرجة اشتققنا منها اسماً لإحدى مدننا العامرة هيالمناقل).و ليس هناك أحلى من حلقات الغيبة و النميم نديرها ببراعة حول جبنة عشرة و ما تنسى و نسات العصاري مع الشيشة ( ودي مكان بلوة جديدة). لذلك فلا غرو و لا غرابة في لا أقول: يؤول، ولكن يظل اقتصادنا راكداً كما ولد ميتاً، تماماً كالمنبت:فلا أرضاً قطع ولا ظهراً أراح.
ولكن أيضاَ ، و مما تقتضيه أمانة البحث العلمي ، علينا ونحن نضع ظاهرة التسكع تحت المجهر ، أن نقرأ العملة من صفحتيها، باعتبار أن (لكل سلاح حدان،) و ربما (كل ضارة نافع) . ومن هذا المنطلق يمكننا تشبيه الظاهرة بالخمر والميسر الذين "فيهما أثم كبير و منافع للناس" على أن "أثمهما أكبر من نفعهما" ذلك بأننا لو غضضنا الطرف عن مساوئ لا تحصى لتسكع الشباب وليس أقلها أنها تعطي مؤشراً خطيراً لارتفاع بند العطالة لمصاف و أرقام فلكية مع انتشار و بائي مخيف لهرمون الخمالة وسط شريحة انتاجية واسعة يفترض أنها واعدة. ومع ذلك فليس من الانصاف في شيء أن نهمل بعض الآثار الإيجابية للظاهرة (على قلتها) و التي تتمثل في ملاحظة دورها الفعال في تجفيف طرق المارة من نساء حائمات سافرات و فتيات كاسيات عاريات و بخاصة منهن المتغنجات ، و كمان بأحلى العطور والبخور متكبرتات،؛ فلعل في ذلك رادع لهن لأن (يقرن في بيوتهن)، إن لم يكن من باب الورع ، فليكن خشية أعين المتطفلين ، أن يرمقوهن بنظرات حداد و يسلقوهن بألسنة شداد. هذا وجدير بالذكر أيضاً مساهمة الكتل الشبابية في فرض طوق أمني طوعي حول الحيشان، لقطع كراع اي حرامي تسول له نفسه أن (يتلب) لمرة قاعدة براها، و بالتالي تجفيف منابع جرائم السطو و السرقات.. أضف إلى إلى ذلك أيضاً إمكانية مسارعة هؤلاء العواطلية لإغاثة ملهوف أو أطفاء حريق يشب في منطقة لم تسمع بحاجة اسمها دفاع مدني.. هذا كله ،بطبيعة الحال في حالة يكون لهؤلاء ذرة باقية من نخوة و ضمير حي لاستشعار واجبات كهذه ، فيها روح المروءة و النفير.