كباشي قسم الله، راعي الأيامَى، وكاسب العدامَى، وكافل اليتامَى
***************************************
هذه لمحات عن ذكرياتي عن فقيد العريجاء الكبير الراحل كباشي قسم الله (عليه رحمة الله الواسعة).. لعل أن يطلع عليها ويقرأها من يترحم عليه ويدعو له بالمغفرة..
كباشي (عليه رحمة الله) هو رفيق طفولتي، وصديق صباي، وزميل دراستي في العريجاء الأولية الصغرى والمناقل الأولية الغربية ذا الرأسين في أواخر ستينات القرن الماضي...
كان كباشي (رحمه الله) يحبني حباً جماً، والعجيب أن والده جدنا حاج قسم الله (عليه رحمة الله) كان يحبني أيضاً، ويخصَّني بأسرار لا يفضي بها لغيري، رغم فارق السن بيننا !!!
كان كباشي يتميز في طفولته بشجاعة منقطعة النظير، وكان مهاباً جريئاً، لا يصمد أمامه أحد.. وكان قادراً على أن يقهر كل من ينازله... ومن مواقف شجاعته العجيبة، أذكر أننا عندما كنا ندرس في المناقل الغربية ذات الرأسين، كنا نسكن في الداخلية، والخروج ممنوع منعاً باتاً بعد جرس النوم، ومن يقبض عليه خارج الداخلية يتعرض لضرب مبرح من الأساتدة، وكان الأساتذه في ذلك الزمن يستمتعون بضرب التلاميذ، ويتحينون أي فرصة لكي يبطشوا بالتلاميذ وينكلوا بهم .. وكان هناك كشك قريب من الداخلية يباع فيه الفول المصري والشاي، هو كشك عمك (أحمد مرين).. كان كباشي هو التلميذ الوحيد الذي يخرج بعد جرس النوم، ويذهب إلى ذلك الكشك ليشتري سندوتش فول لكل من يرغب من التلاميذ، بشرط أن يتقاسم معه ذلك السندوتش (ربع ربع)... فكان ينطلق بسرعة البرق ثم يعود حاملاً معه السندوتش، ثم يقتسمه مع صاحبه ليستمتع كل منهما بربع.. والعجيب أنه لم يقبض عليه ولا مرة واحدة متلبساً بهذه الجريمة !!
وفي العريجاء كنا نحن أبناء (فريق قدام) نذهب لنلعب مباراة مع أولاد (فريق ورا) وكثيراً ما كنا نفوز عليهم، وكان كباشي هو الشفت بتاع فريق قدام، بينما كان (أب كدوك) هو الشفت بتاع فريق ورا...
هذه بعض بطولات كباشي في طفولته، فتأمل معي بطولاته في شبابه وكهولته...
توفي والده وهو لا يزال في ريعان شبابه، فشمَّر عن ساعد الجد، وتحمل مسؤولية البيت من بعد أبيه، على الرغم من وجود اثنين من إخوته الذين يكبرونه سناً .. فرعى أمه وأخته، وقام بأمر الحواشة، وكافة شؤون المنزل... ثم توفي شقيقه الأكبر محمد (عليه رحمة الله) تاركاً أرملة وثلاثة أطفال (بنتين وولد)، فما كان من كباشي (رحمه الله) إلا أن تزوج من أرملة شقيقه وكفل أبناءه الثلاثة، الذي كانوا لا يعرفون لهم أباً سوى كباشي.. ظل كباشي يكفل هؤلاء الأيتام حتى تزوجت البنتان، ثم شمر مرة أخرى ليكفل مزيداً من الأيتام بعد أن توفي عبد المجيد (رحمه الله) زوج ابنة شقيقه، تاركاً خلفه ثلاثة أطفال... وكان كباشي (رحمه الله) يكفل كل هؤلاء الأيتام متوكلاً على ربه، باذلاً ما في وسعه، دون ضجر ولا خور، حتى لقي ربه تعالى...
نسأل الله أن يكتبه عنده في زمرة الشهداء، وأن يدخله الجنة بغير سابقة عذاب ولا مناقشة حساب...