جوع كلبك يتبعك
هذه مقولة شهيرة تختزل لب ما رمت إليه سياسة فرنسا ..طبعاً لا أعني فرنسا بلاد الغال التي أفرزت أفزاز النهضة كفلوتير, لافونتين وجان جاك روسو ورفاقهم.. وإنما فرنسا تلك الإمبراطوية العجوزالشمطاء المستبدة التي أقبلت على شعوب الأرض فغرزت أنيابها ونهبت وعاثت في فساداً ولم تجلب إلا ظلماً وخراباً.. ثم لم تدع أحداً وشأنه إلا وقد مسختهم فأحالتهم أشباه أناس.. لا وطن و..لا هوية و لاانتماء.. بل شعور بالضياع والانجذاب المطلق, لابل والعطش الشدشد لكل ما هو آت مما تسمى عاصمة الفن والجمال وأنا أقول عن دراية بها (بؤرة العفن والانحلال) وبجدارة, اللهم إلا من رحم ربك من ذوي النفوس الأبية الرخيصة في سبيل ربها و عزة أرضها .
درجت فرنسا كغيرها من الغزاة على انتهاج سياسة (استخرابية) ذات رأسين شيطانيين..هما ما يمكن الاجتهاد في ترجمته ب(1) الامتصاص (2) الدمج. وكلاهما ألعن من الأخرى إذ تصبان باختصار في خانة الاستلاب؛ فالحالة الأولى أشبه بعصارة الغذاء المهضوم حين يتم تمثيله فتحويله أحماضاً أمينية ثم دماً قابلاً للجريان في العروق, فهو الذوبان التام بعينه . وأما الدمج وإن بدا أخف وطأة ألا أنه لايرضى بأقل من إرغام الضحية على الانتماء في كل شيئ يمت بعلاقة للسيادة وتقريرالمصير, وإن عاش الناس على ترابهم.. والأمثلة لا تحتاج ضوءاً. وضعت برامج متكاملة لخدمة ذلك الغرض..ففضلاً عن تجييش الجيوش التقليدية فهناك الغزو الثقافي الذي يستهدف بالدرجة الأولي صفوة المتعلمين من أبناء المستعمرات لتتعهدهم بالعناية وتغريهم بالأضواء فيسيل لعابهم وراء الشهرة. وأن تعذر الاستقطاب فلا بأس بسلبهم من حجورأمهاتم أطفالاً(عراة) يافعين.. ليتم عجنهم هناك وصهرهم في أفران حضارة الشيطان.. إلى أن يعادوا أبطالاً (غزاة) فاتحين لأوطانهم , وليست النخاسة التي مورست بحق 103أطفال تمت سرقتهم من دار فور إلا مثالاً عصرياً على شهوة الثأرالتي لم ما زالت تغص في حلوق العلوج .أنشأت فرنسا الجمعية الفرانكفونية كنوع من كومون ويلث الدول الناطق أهلها بالفرنسية. كذلك جعلت العضوية لما يعرف بالأكاديمة الفرنسية ثوب فخار ونوط جدارة تغدق به على من راق لها من أدباء العالم الثالث الذائبين والمندمجين أصلاً والصادحين بمبادي (الحرية, المساوة والإخاء) الزائفة.
شهدنا بأم أعيينا هناك ما يدمي له القلب قبل العين.. رعايانا من الشباب في أعمار الزهور في منتهى الضياع يفتشرون الأرض في أنفاق القطارات و يقتاتون الفتات من موائد القطط السمينة. تسأل أحدهم: من أنت ومن أي البلاد يا أخ العرب؟ فيرطن لك باسم بالكاد تخطئه الضاد, ولكنه يجهل إلي أي قطر ينتمي. فكيف لا وقد حرف هؤلاء وبدلوا حتى صار حسين حبري (هابري) و جكوني عويضي (وداي) وإدريس الضبعي (دبي).أما الشعب الفرنسي ذاته فجاهل تماماً بنا. إفريقيا لديهم صورة نمطية مطبوعة في إذهان الحمائم كما الصقور: يمثلها أسد بلا أسنان ولا مخالب, أوامرأة غلبانة محروقة السحنة تؤدي عملها في عزالهجير وهي تحمل على ظهرها رضيعاً يحمل أوبئة الدنيا.. فقط هذا كل ما يعرفونه.
الحقيقة ما دفعني لهذا السرد هو ما ما لمسته مؤخراً فراعني من انجذاب مفزع لدى بعض شبابنا نحو لمعان الحضارة القادمة مما وراء البحار..خصوصاً أن لعرابيها براعة تحسدون عليها في الجذب والإغراء والتلون والتخفي وراء التسميات الأخاذة ..فتارة هي العولمة وأخرى هو لقاح الحضارات وحوارالديانات.. فراحوا يصموننا كما حلا لهم بين منكسرين وأكثر انكساراً..ورحنا نتلو ما يقولونه عن المقاومة فنسميها (الحدود الدامية) وأما الانصياع التام كحال الميت بيدي مغسله فنسميه (دلعاً) بالاعتدال. فخوفي عليكم يأخوتي وأبنائي.. وكأني بكم توشكون أن تأكلوا أصابعكم وراء ذاك السم المدسوس في دسم الغرب.
ودام الجميع بعافية.
أبو حازم,,,