أكذب و لكني لا أتجمل

زائر

[size=18]أكذب ولكني لا أتجمل
بسم الله الرحمن الرحيم, السلام عليكم و بعد,,,
بينما العائلة الصغيرة مجتمعة على المائدة إذا بجرس الهاتف يرن فينطلق أصغر الأبناء لالتقاط السماعة..ألو من معي؟ قال الطرف الآخر, يا ابني أين والدك؟ هنا غمز الأب الغاضب لأبنه أن قل له بأنني لست هنا..فردد الطفل ما سمع.. يا عمو!! أبوي بقول ليك أنه ليس هنا.. فصعق الطرفان,؛ أولاً المتصل جراء الكذب على عينك..ثانياً الولد الطيب من هول كف أبيه التي لاحت في الهواء قبل أن تعانق جهه البرئ بأصابعها الغليظة.. وهو غير مستوعب لما يجري. إذن ما ذنب هذا؟ نعم لأنه (شالق) ودي كذبة بيضاء بسيطة تفوت ولا حد يموت.. كان عليه أن يتعاون في هذا الاتجاه فيجنب أباه حرجاً ليس في الحساب . نعم هنلك كذبات بالأحجام وبالألون, بيضاء وغبشاء؛ تنزع من إبليس نفسه ابتسامته الصفراء إعجاباً وعجباً من أناس تفوقوا على شيخهم وبرعوا في تفانين صناعة النفاق والسحر الأسود.
هناك ظاهرة الكاميرا الخفية .. فدعوني أولاً أهنئ أولئك الذين ابتكروها كونهم ليسوا بأقل خبثاً من الغشماء الذين يقعون يومياً في شراكها المنصوبة هنا وهناك , تشف تصرفات خلق الله شفاً وتنقلها بالصورة والصوت على رؤوس الأشهاد. نحن بصدد أداة خطيرة وآلة مدمرة لها منتجون ومخرجون, اتخذوا منها كانتين (تشاشة) متنقل لابتزاز العالم والاتجار بهفوات وسقطات الأبرياء في نخاسة (القرية الواحدة). نعم هي مادة ربحية وحيلة ماكرة اتجهت إليها فئة مرتزقة من قدامى الفنانين غير المبدعين ممن سقطوا من قد قفة النجومية فأ صبح الواحد منهم في ذعر من الموت مهملاً بعد صراع طويل مع المرض أو بعلة لم تمهل طويلاً.
بقي المفارقة في أن التسمية ذاتها " Candid camera" آفة أفرنجية المنشأ تعني في لاتينيتها: الكاميرا النزيهة أي العبيطة يعني ما تجامل (اللي على عدستها طوالي على شاشتها) ؛ ولا أدري من أين أتي نشامتنا العربان بهذه الترجمة النشاز؟!! لعلها كذبة هي الأخرى على طريقتنا.. وهي فعلاً عبيطة للأنها في حيرة من أمرها فأيهما الأولى بالفضح ؟ هل كان عليها أن تحرج من ساقتهم أقدارهم لتضعهم في مرمى نيران عدساتها الحارقة؟!! أم عليها أن تفضح وتعري تلك الأرواح الشريرة التي تسكن مصممي الكاميرا ..
إذن فقد ضرب الكذب أطنابه في قلب الأمة وصار هو و قبيله السلعة الأكثر رواجاً؛ فالرجل يكذب على أهل بيته ؛ المجتمع يغرر بأفراده, وولي الأمرمع رعيته لا يريهم إلا ما يرى ولا يهديهم ألا سبيل الرشاد (من وجهة نظره).
يحكى أنه لجأ وفد من القوم لأحد فقهائهم يتظلمون لديه من واليهم و فيما هم جلوس عنده مر بهم الوالي شخصياً في موكبه المهيب؛ هنا سقط في يد الفقيه وكاد يبتلع لسانه من ورطة حقيقية وجد نفسه متلبساً بها .. إذ لا قبل له بمناصرة هؤلاء المستضعفين أمام الحاكم وجبروته.. فلجأ بدوره إلى ملاذ الضعفاء (اللغة) فبادر الوالي بسؤال من كلمة واحدة من حرفين فيها تعريض وإبهام قال : (لم؟) فرد عليه الوالي بغطائها أيضاً كلمة واحدة: (كما!) ثم مضى لشأنه؛ هنا تنفس شيخنا الصعداء؛ وقبل أن ينفض سامر الحضور أوقفهم وشرح لهم: أولاً سألته: (لم؟) بمعنى: لم لم تعدل في رعيتك؟ فرد علي بأبلغ منها: (كما!) أي: " كما تكونوا يؤمرعليكم".
أنا أتصور أنه وجب على ذاك الوالي أن يطأطئ رأسه تجلة لعبقرية فقيهنا الشجاع ويشكر له صنيعه, أن وفر عليه عناء التوقف ولو لبرهة أمام نظرات المتظلمين.
نسمع هذه الأيام عن تقليعة جديدة اسمها الشفافية والمحاسبية.. وهما عبارتان فارغتان حاضرتان في الاذهان ثقيلتان على الأذان, غريبتان على هذه الأزمان .. ولا وجود لهما في الميزان,ميزان الأفعال. فلا يكاد مقال أو خطاب أمام حضور كريم أو مؤتمرين من ساسة أو رجالات أعمال أو صحافة يخلوا منهما بل ويترصع صدر كل كلام و يتدبج متن كل هراء بهذا البزخ اللغوي الفاحش. أقول هذا و عيني على الحقيقة التي سطوا عليها فكمموا فمها وحشروها في (حق) ضيق يوم أن وضعت "البغلة في الإبريق". وأقول هذا ايضاً و لا يزال في قيعان ذاكرتي شيء من حتى الزمن التليد الجميل, يوم أن ولي أمرنا ولاة زهاد في الإمارة, ممن حكموا فأمنوا لما أقاموا العدل بين الناس فناموا نوم قرير العين هانئها. ويوم أن لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها.
اللهم أرض عنا ورضنا , واعف عنا وعافنا, واهدنا اللهم واهد بنا واجعلنا سبيلاً لم اهتدا..الهم آميــــــــــــــــن
ودمتم سالمين
ابو حازم [/size]