عمتم صباحاً سادتي الزهاد!!
هل نحن زاهدون بحق؟ استفهام ساذج و شريف مطروح على الكل.إن كان الجواب هو نعم بلا تردد. فلعله يثير آخر أعمق: إذاًً’ فيم نحن زاهدون؟ جوابي أننا أزهد مانكون في طلب العلم, وبوجه أخص تلقي العلم الشرعي. لعلنا نسوق مبرراً لذلك بأن للعلم أهل وللذكر أهل, مثلما أن للخبر خبازون. وهو كلام لا يعوزه منطق ولا وجاهة. بيد أنه قد لا يقوى على دحض نظرية أن الرجل من عامة الناس مطالب أن يلم بكليات الأمور كحد أدنى , فضلاً عن شيء من الفرعيات, كي ينهض باستحقاق"بلغوا عني ولو بآية".
أليس من المخجل أن يأتي متعبد غارق ليستفتي عن كيف يغسل ميتاً أو يصلي على جنازة؟ أو يجهل تاجرما إذا كانت معملاته يشوبها ربا بعد أن تغطي ثرواته عين السمش؟ على من يقع لوم هؤلاء؟ وهو دليل على أمرين أحلاهما مر. فإما أنك تتعبد على جهل أو باستهتار, وأنك تمارس دون تحسب لمظنة المحظور.
نعلم أن الله يرفع بالعلم أقواماً درجات ويقربهم به إليه زلفى , فيما يضع ويحط من شأن آخرين ؛ وأنه "شهد الله أنه لا إله إلا الله والملائكة وأولوالعلم قائماً بالقسط ". ونعلم كذلك أنه "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". بل أبعد وأعجب من هذا أن البهائم ترقي درجات بفعل وفضل العلم: أمرنا بأن نتخذ جوارح و كلاباً للصيد" تتعلم" كيف تمسك الفرائس ولا تذوقها ثم نأتي لنأكل مما أمسكن علينا ونذكر اسم الله عليه.
مضت سنة الحياة على ألا بد لكل فعل من خطط وخطوات. ولعل أولى خطوات هنا أن يطلب العلم من مصدره و ويؤخذ من أصوله وبوسائله. وما من سبيل لذلك أقرب من أن نهتم بألف باء لغتنا التي هي لسان العرب, وقبل هذا و ذلك هي خطاب الوحي و يأتي فضلها على سائرالألسن من منزلة نبي أمتنا وسيد ولد آدم , محمد (ص) بين الأنباء قاطبة. ليس شرطاً أن يوغل أحدنا دون رفق في جوامع الصرف والنحو والبلاغة ليحيط بكل شاردة وواردة. فقط مطالبون عندما نقرأ قوله تعالى:" إنما يخشى الله من عباده العلماء", أن نفرق ما بين الفاعل والمفعول كي نفقه( من يخشى من)؛ فهذه من البديهيات ولن ترضى لغة الضاد منا بأقل من ذلك. لعلي أقول هذا ولا أبالي بحق أناس باتوا أنجماً بين قومهم وهم متحدثون لبقاء ومتلفزون(حيث لا ذريغة من أخطاء مطبعية وما شابه), إلا أن هؤلاء يعانون من أمية هجائية عضال.
جاء في السيرة أن أمير المؤمين عمر(رضي الله عنه) أمضى اثنتي عشر سنة ليحفظ البقرة. بالطبع لم يكن ذلك عن تأخر في ملكات الحفظ؛ ولكنها الخشية من أن يحفظ شيئاً دون اتقان فعله. ولعل هذا ما يصنع الفرق بين قرننا و بين ذاك السلف الصالح. إنهم كانوا أقل حفظاً لكتاب الله وسنة نبيه وأحرص على عمل بالأحكام. حتى إن التلاوة في قاموسنا اليوم بعيدة في-اشتقاق معناها- كل البعد عما تعارفوا عليه. فالتلاوة في عرفنا هي الترتيل وإن كان لا بأس بذلك ؛ و في فهم السلف هي مشتقة من الموالاة بمعنى الاتباع و الولاء التام (من مادة ولي يلي أي: تبع يتبع) وشتان بين فقهين.
لاطعن لدينا في حلقات تعقد لتجويد الحفظ والتلاوة و يجازى عليها بسخاء. ولكن أن تنظم تحت أشراف لجان للنصوص والأصوات والموسيقى وتحميها حقوق المصنفات فهذا خلط للحابل بالنابل. أرى الأجدر بنا أن بتبارى في كم عملنا بما علمنا وكم ازددنا في العلم بسطة في الفهم والفقه بأمورديننا ودنيانا. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم.
أبو حازم/ دفع الله الأمين أحمد حمد النيل