[size=21]من أدغالنا قامت الدنيا
يقال إن الحياة ولدت من طينة الرغبة, دون اسم ولا ذاكرة. كانت للحياة أياد ولسان ولكن لا فائدة ولا جدوى فلا أحد لتلمسه ولا لتخاطبه؛ إذن ولدت الحياة وحيدة يتيمة فلم تسو شيئاً وحدها. ويقال أيضاً إن البشرية لما خلقت من نفس واحدة كان أول ما انتابها فضول غريب, سرعان ما تحول إلى شعور بالوحشة التي ولدت لديها رهبة وخوفاً جبلياً من مجهول أو من لا شيء. فكان أول ما رغبت فيه هو أن تتعدد كي يكون للعيش طعم و معنى؛ فلعل الشيئ بضده يعرف. سرت تلك الرغبة في أوصال الحياة بليل, و كان لسهم الرغبة عنفوان قسم سلسلة الحياة الفقرية فانشطر ظهرها نصفين, ثم أنشأ الله لآدم نصفه الآخر(حواء) من ضلعه لينشد كلاهما السكن والرحمة عند الآخر ويأنس به. و ما أن أبصر كل نصف شطره الآخر حتى ابتدره بابتسامة تحمل أوجهاً و تخفي أشياءً.. ثم ما لبثا أن تلامسا حتى استغرقا في ضحك بريء طويل ثم هستيري متقطع في أحيان كثيرة على أوتار حساسة. ثم لما أن تغشاها حملت حملاً خفيفاً وولدت منه؛ ثم بث الله منهما رجالاً كثيراً ونساءً.. ظلت أحوالهم بعد ذلك تتراوح بين ضحك وبكاء و بين ولقاء و فرقة فصراع, إلى ارتكب أحد ابني آدم حماقة نكراء بحق أخيه فقتله ثم عجز أن يوراي سوءته لجهله بثقافة الدفن التي بعث الله غراباً إليه ليعلمه إياها. منذ تلك الكارثة ظل الأمر هاجساً يؤرق الناس والكيانات والدول إلى أن تخلقت منه قضية شائكة عمرها الدهر..هي الأمن.
هل كان آدم وحواء التي من ضلعه أسودان؟ ربما أغلب الظن, لأن أأدم (من الأدمة) تعني سليل الأديم (التراب) إذاً, لعله من هنا.. من إفريقيا بدأت مغامرة بعمر البشرية. من هناك انطلق أجدادنا لغزو الكوكب. ساقتهم خطاهم إلى أقدار كثيرة, ثم أرسلت الشمس أشعتها لتتولى مهمة طلاء سحنات الأجداد بألون من لوحة قوس قزح الأرض الذي تفوق أطيافه قزح السماء.الحقيقة أنه حتى البيض الأشد بياضاً هم قادمون من أفريقيا الأصول. لا بأس إن تنكر بعضنا, لأن العنصرية مرض يسبب فقدان الذاكرة ويدفع على فسخ الذات لتذوب في ذوات الآخرين. لقد عميت أبصارنا فكدنا ننسى أن العالم بأسره كان عائلة واحدة تتربع على مملكة شاسعة لا تحددها خرط؛ وكانت أرجلنا هي الجواز الوحيد المطلوب لنمشي في مناكب الأرض ونسافر أنى نشاء.
كانت السماوات والأرض رتقاً ففتقهما الله عز وجل.. وجعل الخير والشر, الولادة والموت ثم النشور. وعاقب الليل و النهار؛ثم خلق للرجال من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها. لكن يبدو أن الإنسان هو أزمة نفسه وضحية صنائعة..راح يهيم على وجهه وينشد الترفيه عن نفسه عبر الاختلاطات المارقة؛ تحدوه حيل شيطانية ليغلو في التشبع بالمباحات على كثرتها ثم ليعدو ويبغي فييبح لنفسه محظورات كثيرة. حينها تنقلب الأشياء.. يوم أن تخرج النساء من مسام الرجال ويخرج الرجال من عرق النساء.. يوم أن يخضر اليابس و يغدو الأخضر يباباً..يوم يولد الموتى ويموت الولدان و تلد الأمة سيدتها؛ حتى تتبرم بقية الأحياء وتشكو بأن العالم لم يعد به شبر للشراكة.
تتدلى الراشحات من أسقف الكهوف؛ وتتراكم القطرات فوق أرض الجمود.. لتتكون كرات من كرستال هش رقيق القوام, ناجم عن عرق الصخور في أعماق الكهوف التي نحتها الماء والزمن في أحشاء الجبال لتظل عبر ألوف السنين تنضح قطرة قطرة وتبحث عن بعضها لتتلامس في غياهب ظلمة لا تبدو على عجلة من أمرها.
علموني أن النار منذ عصر الحجر, غير أني لما جربت ففركت حجري صوان أو قدحت قشتين, لم يخرج لي شرر. لكن إخفاقي لا يلغي أن للنار مزايا. فهي التي وقتنا البرد..و طبخت طعامنا..و أضائت ليلنا. وطردت عنا ضاريات الوحوش ثم دعتنا للتحلق حولها والجلوس لنقرأ الدروس.
من أين استوحى قدماؤنا الفن للرسم على جدران الكهوف؟ من أين ابتكروا تلك الصور المفعمة بنسيج من خيال؟.. فيها روح تجريدية لأبقار وغزلان وزرافات طوال.. وعمرها سنون ضوئية و هي تتناسق في خطوط هوائية كأني بها تتحرر من الصخر وتنبثق نحو الفضاء الرحيب في صحراء يباب. يجدر بنا أن نسأل هنا ماذا كان يأكل أهل الصحاري القدامى وماذا كانوا يشربون؟ هل كانوا يأكلون القحط أم يشربون الرمال؟ ينبؤنا الفن أنهم كانوا في خضرة وعيش رغيد, ثم أضطروا لأسباب للهجرة جنوباً باحثين عن كلأ مفقود .
اليوم تبدل الإنسان الأول بعض الشيئ الكثير . تجمعنا من شتات وضمنا بوتق للأنصهار ولفنا سير الحضارة في مدائنها الحديثة والمباني الذكية الناطحات. لعل خوفنا من الوحدة و الظلام صدى لخوفنا البدائي الدفين. فكيف تجرأنا لنصبح وحوشاً بعدما كنا عرضة للالتهام. كان تاريخنا المبكر محفوف بالضباب ولم نكن نحذق سوى كسر الحجارة لنضرب بعضها ببعض. و تظل ذاكرة لتاريخ حاضرة, فصرنا عصابات يفتك قويها بالضعيف و بأشياء يندى لها جبين الوحوش. فهل لنا أن نثق بحضارتنا الراهنة و لو ليوم؟ كلا فهي حضارة بنيت على خلاصات مثل:"اعتن بشؤو نك الخاصة"و "أنا ومن بعدي الطوفان". كنا نخاف ظلنا ثم بتنا نخيف.. ومن فرائس غدونا مفترسين لنا أنياب بارزات و مخالب من حديد. السباع التي كانت تضايقنا أصبحت مرهونة للإقامة قسراً في درابزين يأبى إلا أن يضيق, و صارت زخارف لأعلام أوطاننا وبيتاً للقصيد.
كان حام من أبناء جلدتنا السمراء..تم اصطياده من هناك كأي قرد من الشمبانزي ليرتاد العوالم البعيدة؛ شدوا وثاقه بحبال تجر الجبال..فوضعوه في مكوك فضاء لتجريب قدرات البشر على غزو الهواء. تصدرت صورة جدكم أغلفة ومانشيتات مجلة "الحياة" العريقة؛ أما حياته فقد أفنى ما بقي منها محبوساً في حديقة.
أصل التلوث البيئي أن قبائل من الأقزام تميزوا بقصر القامة وطول الذاكرة؛ فاخترقوا الأزمان واختلقوا الأزمات متوهمين أن الأرض سقف للسماء,وأن النفايات كانت تتساقط من الأرض على السماء. وتسمم غذاء سكانها الأبرياء. فأراد الأقزام غزو الفضاء ليسكنوه و يركنوا هنالك في العلالي بعيداً عنا و سالمين؛ ثم ليرسلوا علينا من هناك صواعق حمماً لتدهسنا وتبقينا في الحضيض ..فإلام سنظل تحتهم أءلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟؟؟. وشكراً
أبو حازم/ دفع الله الأمين أحمد حمد النيل ألأصيل.
الدوحة في يوم الأحد 9/8/2009
ت:+9745383534[/size]