مات الحب ضحية الغرورـ. و ليته هرب من النافدة حين دخل الغرور من الباب ..
أدعو أخوتي لقراءة هذه الثرثرة التي تحركت فخرجت مني قسراً فوق جدار الصمت, فإلى المتن:-
جدل في أزمة الشعر و الهوية
يقال إن لكل سجين قصة فما هي قصة الشعر مع الهوية؟ هل هما صنوان أم ضدان؟ الجواب عندي نصف "نعم" ونصف"لا".فالهوية قالب انغلاق ملموس , والشعر يوتوبيا انعتاق محسوس بامتياز ,وهو سجين الهوية . والشاعر خلاف المتلمس وشتان بين حقيقة وحلم. لكن الشعر وأخواته لا ينبغي له أن يترسخ أو يتفرد إلا على خلفية توتره وتمرده ضد إكراهات الهوية بحواكيرها المرسمة وأحكامها المسبقة على أفراد وجماعات تخط لهم مساراتهم وتملي مصائر كثر منهم. الهوية إذاً, برنامج محنط.. فهي عندما تشغل حيزا من الشعر فإنها تجازف بأن تكدر عليه صفوه, وتئد روحه وتجهض مخاضه للفكاك إلى حيث فضليات المدن المأهولة أبداً بأحلام غير منجزة, بعيداً عن أرق الهوية وإمكاناتها المرئية. هنالك ضروب من الشعر وألوان من الإبداع الإنساني, منها الشعر الطافح بشوفينيات التفاقم الكاذبة و طبقات عرق و لون لا يعني بها حديثنا هنا. ومنه كذلك الأدب الرفيع و الشعر النقي المتجرد الراكب لأشرعة الخيال ليشق عباب جمال الروح الراحلة إلى أبعد من سجالات قوم وحدود أملاك إلى ما وراء سحابات المثال.
لعل الاستثناء الأوحد للهوية كي تتسلل إلى ناموس الشعر هو حالة أن تكون فصلاً من مشروع نضال لنيل حرية أو صرخة حلم بوطن مغصوب. وهو استثناء لا يعني بحال أن يتنازل الشعر للهوية عن كبريائه فيمنحها قبولاً أبدياً. ربما فقط إقراراً عفوياً بالتقاء وقتي و زواج عرفي عابر لكنه متحوط ضد ثقافة البقاء على حال. فالهوية لو تركت لتعبث في معاني الوجود الإنساني هكذا بلا رقيب للوثت على الشعر عقله و لعبثت بعذريته البراء و ضحكت على سذاجته بهتاف فضفاض تارات من أبواب السياسة و الاقتصاد وعلوم الأرض والأجناس.
لندلف من هنا إلى سؤال آخر:أين هي الواقعية من كل هذا؟ ومن أي قمقم يخرج لنا الشعر والشعراء؟ أليسوا من بيئات تسوسها السياسة ويشكلها الاقتصاد و يحكمها الدين وتسودها علاقات إنسانية هي مد وجزر مع الآخر أو ضده؟. و ما نتاج كل ذلك سوى هويات أوشظايا هويات. لا شك أن محاولة التعالي بشأن الشعر إلى حد ذاك الغلو ليس إلا مثالية تدنو من الهذيان. قلنا أن الهوية والشعر صنوان و ضدان في آن. فأين يلتقيان إذا, وأين يفترقان؟ إذا كانت الهوية قراراً لا مفر منه وهي حالة من "الأنا" فقط بلون وطعم أن"تكون أو لا تكون".. فإن الشعر هو فرار لا مقر له. و هو حالات من"الأنا" وضدها,بألوان جلباب الدراويش. فحينما تلغ الهوية في إناء الشعر العريض وتبعثر صحو كلماته المنسية؛ وكذلك حينما يلج الشعر في سم الهويات المجهولة ويعتنقها ويتلبس طقوسها المهووسة ثم يلطخ يديه بدماء غيره؛ حينئذ تشوه الأمور وتتماسخ الأشياء,لأن الهوية شيء والشعر أشياء.
من ديدن الشاعر المرهف أن يضيق ذرعاً ببشاعة مجموعته و يلفظ واقعها المرير ويدأب على الخلاص من نير الهوية؛ لكنه رغم تمرده يبقى لسان حالها الناقد ومجساً فردانياً يلامس نبض سربها الذي- و إن |أصر على الجروج عنه- إلا أنه ماكث على مقربة ليغرد بجواره ويحوم حول حماه. لعمري إنها علاقة تنطوي على مفارقة وسخرية تلك التي تتجاوز الالتحام بين الشاعر وقومه وتبدو أعقد من مجرد تبعية آلية نمطية. فكأن صوت الشعر نأي مبحوح وتعبير أقرب إلى الإيحائي عن فشل جماعته في الانتقال إلى حالة أمثل من الأمر القائم؛ حالة علها تكمن فقط في وجدان وجوده الداخلي, تتأبط لفافات من المجهول وهي تدنو من جماليتها العليا كنجنازة محمولة على أكتاف ضفتي نهر.
مع كل ماسبق فلا أصدق و لا أبلغ مما قيل في حق الشعراء: إنه يتبعهم الغاوون.. وتراهم في كل واد يهيمون .. و يقولون ما لايفعلون. فلو أن الدنيا حيزت لشاعر بحذافيرها لوجدته تواقاً يندب حظه ويهمهم باكياً على أطلال فردوس آخر مفقود.
لعل من نافلة القول أنه لا يجوز ذكر الشعر ولا يذكر المتنببيء ذال القائل :-
أ،ا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم!!
ترى من قصد ب(أنا) وأي أدب يريد هذا الذي أورده قرين شعره مهالك التنبؤ؟؟؟
ربما لسبب كهذا قررت أنني استطيع أن أظل "هاوياً" لا أن أصبح "شاعراً"!!!!
أبو حازم/ دفع الله الأمين حمدالنيل