ربك العزيز الرحيم
أن ترى ضعيفاً يتودد إلى شريف, أو ترى فقيراً يتقرب من غني فلعله لا غضاضة في ذلك ولا غرو وهي صورة مألوفة منذ الأزل و ضابطها الحاجة و المنفعة بمعنى أن الرياح تهب(نواً) دوماً تلقاء أشرعة من يملك. وبالمقابل إذا رأينا عزيزاً أو غنياً يخطف الخطا وراء الضعيف والفقير أو علماً برأسه نار فيطأطئها في حضرة حشرة نكرة لا يلقى الناس لها بالاً فتلك صورة مقلوبة.وهي على ندرتها لا تخرج أيضاً عن ذات السياق العقلاني لمنطق أن "الطير يسقط حيث يلتقط الحب". بمعنى أن الحاجة وهي أم الاختراعات كلها قد تلوي عنق الشريف يوماً ما فتجعله يداهن الضغيف لحاجة في نفس يعقوب يريد قضاءها, كأن يجد عنده حسناء يطلب القرب منها أو صوت يريد ضمه لترجيح كفته بصناديق الاقتراع, أو أية منفعة يتبادلها الناس من بيع و شراء،إلخ.
أما أن يتقرب الغني إلى الفقير ويتودد العزيز للضعيف ويتنزل العلي للواطيء الدنيء هك\ا بلا ثمن ولا مقابل, فهذا ما لا يقبله العقل و لا يقره منطق الأشياء و لايجري مجرى السنن في نواميس هذ الكون. ذلك أن هذا هو حال الله مع عباده؛ و هو الذي لا يحيطه حيز من مكان ولا زمان ولا يسيره منطق و لا تمنطقه فلسفة(لايسأل عما يفعل وهم يسألون).
فالله أرحم بعباده من أم يقال لها أن تلقي برضيعها في النار وما هي بفاعلة. و هو يقول في حديثه القدسي:" ما ترددت في شيء أنا فاعله مثل ترددي في قبض روح عبد من عبادي". معلوم أن صفة التردد منتفية في حق جناب الله, وحاش لله؛ ولكن لعله أراد جل وعلا أن يخاطبنا بما يمكن أن نفقه؛ من أنه يريد بنا اليسر و لا يريد بنا عسراً ابداً و لا شدة و أن الموت كائن لا محالة وأن الساعة آتية لا ريب فيها* وأن الله يبعث من في القبور".
يدعو الله عباده ليسارعوا و يسابقوا إلى مغفرة منه وجنة عرضها السماء والأرض,أعدت للمتقين. يقول الله تعالى على لسان أبي البشرو شيخ الأنبياء والمرسلين, نوح مع قومه: "إني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم وأصروا و استكبروا استكباراً...". انظر من يتودد هنا و بالمقابل من يستعلي ويزدري و يغمط الحق؟!!
أمرالله عبديه ورسوليه موسى و هارون أن "اذهبا إلى فرعون إنه طغى* فقولا له فولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى". ففرعون أعتى من كفر و لو لا أن رب العزة صبور,ويمهل و لايهمل لما أعطاه من دنياه شربة ماء!!
جاءربنا بسنة التنزل للخصم في مواطن كثيرة مع من جعلوا له من عباده جزءاً, ونسبوا له من خلقه ذرية من الإناث. فحاورهم الله بخطاب هادئ على قدر عقولهم و بعيداً عن الإرهاب الفكري.فعاب عليهم أن أصفوا أنفسهم بالبنين و (إذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم). ثم عاد الخطاب متلطفاً بالأنثى وممتدحاً إياها كي لا يقع في خاطرها شيئ. قال تعالى"أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين").
يتنزل الخالق إلى سمائه الدنيا آخر كل ليلة فيدعو أن:"هل من تائب فأتوب عليه, هل من مستغفر فأغفر له , هل من سائل فأعطيه". و يغري عباده ويحفزهم بأن "يرسل السماء عليهم مدراراً و بمددهم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لهم أنهاراً", "علهم "يرجون لله وقاراً, وقد خلقهم أطواراً".
أمر الله تعالى خاتم أنبيائه سيد ولد آدم (ولافخر) أن "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة , و جادلهم بالتي هي أحسن" من يجادل يا ترى؟ إنهم مشركو قريش وسفهة مكلة, ممن حاربوا دينه وآذوا نبيه وناصبوه شر العداء. نبي الرحمة , من يبعث إليه ملك فيعرض عليه أن يأذن له فيطبق عليهم الأخشبين فيقول لا , لعل الله يخرج من أصلابهم من يؤمن به " و يقولون أذن قل أذن خير لكم".
اعلم أخي أن خصلة العزة لا تحمل في ثناياها أية بذرة من رحمة. و لكن , سبحان الله الذي جعل حتى اجتماع الأشياء واضادها في حقه أية للرأفة بعباده و اللطف بحالهم ,.. أفلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟!
دفع الله الأمين / ود الأصيل
26/10/2009