الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه وبعد_لهذا العنوان الصغير أطراف كثيرة وكبيرة من المعاني والمواضيع تتجاذب الكلام فيها فللزمن قيمة عند الفلاسفة غير قيمته عند التجاروغيرها عند الزراع وغيرها عند الصناع وغيرها عند العسكريين وغيرها عند السياسيين وغيرها عند الشباب وغيرها عند الشيوخ وغيرها عند طلبة العلم وأهل العلم . اخواني ان نعم الله تعالي علي عباده كثيرة لاتحصي ولايمكن للبشر أن يحصوها ويدركوها علي حقيقتها وذلك لكثرتها واستمرارها ويسرها وتتابع انعا م الله بها ومن هذه النعم نعمة الوقت الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام
نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)وانظروا الي حال السلف مع الزمن والوقت قال الامام الشافعي صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوي حرفين أحدهما قولهم: الوقت كالسيف فان لم تقطعه قطعك وذكر الكلمة الأخري ونفسك ان شغلتها بالحق والا شغلتك بالباطل ، ونقل عن عامر بن عبد قيس أحد التابعين الزهاد : ان رجلا قال له كلمني فقال له أمسك الشمس يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتي أكلمك ، فان الزمن متحرك دائب المضي لايعود بعد مروره فخسارته خسارة لايمكن تعويضهاواستدراكها لأن لكل وقت مايملؤه من العمل_وقال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : ماندمت علي شئ ندمي علي يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي_وقال الخليفة الصالح عمربن عبدالعزيز رضي الله عنه: ان الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.وقال الحسن البصري ياابن آدم انما أنت أيام اذا ذهب يوم ذهب بعضك وقال أيضا : أدركت أقواما كانوا علي أوقاتهم أشد منكم حرصا علي دراهمكم ودنانيركم_وهذا أبو يوسف القاضي يباحث _وهو في النزع في النفس الأخير من الحياة _بعض عواده في مسألة فقهية رجاء النفع بها لمستفيد أو متعلم ولايخلي اللحظة الأخيرة من لحظات حياته من كسبها في مذاكرة العلم وافادة واستفادة قال تلميذه ابراهيم بن الجراح الكوفي : مرض أبو يوسف فأتيته أعوده فوجدته مغمي عليه فلما أفاق قال لي: ياإبراهيم ماتقول في مسألة؟ قلت : في مثل هذه الحالة؟ قال: ولابأس بذلك ندرس لعله ينجو به ناج؟ ثم قال ياإبراهيم أيما أفضل في رمي الجمار _اي في مناسك الحج_ أن يرميها ماشيا أو راكبا؟ قلت: راكبا قال أخطأت قلت:ماشيا قال أخطأت قلت : قل فيها يرضي الله عنك . قال : أما ماكان يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه ماشيا وأما ماكان لايوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكبا ثم قمت من عنده فلما بلغت باب داره حتي سمعت الصراخ عليه واذا هو مات رحمة الله عليه. هكذا غلاء العلم عند السلف يتذاكرون به ويبحثون في مسائله ومشكلاته حتي عند الموت ووداع الحياة فلله درهم ماأحب العلم إلي قلوبهم!فوقت الانسان هو عمره في الحقيقة ومادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ومادة المعيشة الضنك في العذاب الأليم وهو يمر أسرع من السحاب فماكان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره وغير ذلك ليس محسوبا من حياته وان عاش فيه طويلا فهو يعيش عيش البهائم فاذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة وكان خير ماقطعه بالنوم والبطالة: فموت هذا خير له من حياته واذاكان العبد وهو في الصلاة: ليس له من الصلاة الا ماعقل منها فليس له من عمره الا ماكان فيه بالله ولله تعالي والله الموفق والمعين _ والسلام_.