كان بالكوفة شاب ملازم للمسجد لا يكاد يخلو منه وكان حسن الوجه حسن القامة حسن السمت فنظرت اليه امرأة ذات جمال فشغفت به وطال ذلك عليها فلما كان ذات يوم وقفت له علي طريقه وهو يريد المسجد فقالت:له يافتي اسمع مني كلمات اكلمك بها ثم اعمل ماشئت فمضي ولم يكلمها ثم وقفت له بعد ذلك علي طريقه وهو يريد منزله فقالت له:يافتي اسمع مني كلمات أكلمك بها فطرق فقال لها:هذا موقف تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعا فقالت له:والله ماوقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك ولكن معاذ الله أن يتشوف العباد علي مثل هذا مني والذي حملني علي أن لقيتك في هذا الأمر بنفسي معرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير وجملة ماأكلمك به أن جوارحي كلها مشغولة بك فالله الله في أمري وأمرك . ثم مضي الشاب الي منزله وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي فأخذ قرطاسا وكتب كتابا ثم خرج من منزله فإذا المرأة واقفة في موضعها فألقي اليها الكتاب ورجع الي منزله وكان في الكتاب:(بسم الله الرحمن الرحيم) اعلمي أيتها المرأة أن الله تبارك وتعالي اذا عصي حلم واذا عاود العبد المعصية ستر فإذا لبس ملابسها غضب الله عز وجل غضبة تضيق منها السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا الذي يطيق غضبه؟ فان كان ماذكرت باطلا فاني اذكرك يوما تكون السماء كالمهل وتصير الجبال كالعهن وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم واني والله قد ضعفت عن اصلاح نفسي فكيف بصلاح غيري وان كان ماذكرت حقا فاني ادلك علي طبيب حكيم _ذلك الله رب العالمين_ فاقصديه علي صدق المسألة فإني متشاغل عنك بقوله عز وجل:(وأنذرهم يوم الآزفة اذ القلوب لدي الحناجر كاظمين * ماللظالمين من حميم ولا شفيع يطاع * يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور * والله يقضي بالحق) فأين المهرب من هذه الآية؟! ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له علي طريقه فلما رآها من بعيد أراد الرجوع الي منزله لئلا يراها فقالت : يافتي لاترجع فلاكان الملتقي بعد هذا أبدا الا بين يدي الله عز وجل وبكت بكاء كثيرا ثم قالت:اسأل الله عزوجل الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ماقد عسر من أمرك ثم تبعته فقالت : أمنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل بها فقال لها الفتي : أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك بقوله تعالي:(وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ماجرحتم بالنهار) فأطرقت وبكت بكاء أشد من بكاءها الأول ثم أفاقت فقالت : والله ماحملت أنثي ولاوضعت انسانا مثلك في مصري وأحيائي وذكرت أبياتا آخرها: لألبسن لهذا الأمر مدرعة * ولاركنت ألي لذات دنيايا ثم لزمت بيتها فأخذت بالعبادة فكانت اذا أجهدها الأمر تدعو بكتابه علي عينيها وكان اذا جن عليها الليل قامت الي محرابها فاذا صلت قالت: ياوارث الأرض هب لي منك مغفزة* وحل عني هوي ذي الهاجز الداني؟ وانظر الي خلتي يامشتكي حزني * بنظرة منك تجلو كل أحزاني _ فلم تزل علي ذلك حتي ماتت فاللهم ارزقنا التوبة ووفقنا لما فيه رضاك وأمتنا علي ذلك يارب العالمين آمين