Ismail
عدد المساهمات : 2548 تاريخ التسجيل : 05/02/2008 العمر : 44 الموقع : aykabulbul@gmail
| موضوع: صور من بر الوالدين الأربعاء 07 أبريل 2010, 3:30 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم نموذج واقعي من بر الوالدين
(هذه القصة نقلت على لسان أحدى الطبيبات)
دخلت عليَّ في العيادة عجوز في الستينات بصحبة ابنها الثلاثيني...لاحظت حرصه الزائد عليها ... فهو يمسك يدها، و يصلح لها عباءتها، ويمد لها الأكل والماء... بعد سؤالي عن المشكلة الصحية، وطلب الفحوصات ... سألته عن حالتها العقلية لأن تصرفاتها لم تكن موزونة ولا ردودها على أسئلتي ... فقال إنها متخلفة عقلياً منذ الولادة.... تملكني الفضول فسألته... فمن يرعاها ؟ قال: أنا ... قلت: والنِّعِم؛ ولكن من يهتم بنظافة ملابسها وبدنها؟! قال: أنا أدخلها الحمام، وأحضِّر ملابسها، وأنتظرها إلى أن تنتهي، وأرتب ملابسها في الدولاب، وأضع المتسخ منها في الغسيل، وأشتري لها الناقص من الملابس... قلت: ولم لا تحضر لها خادمة ؟! قال: لأن أمي مسكينة مثل الطفل لا تشتكي وأخاف أن تؤذيها الشغالة !!..... اندهشت من كلامه ومقدار بره بوالدته... قلت: وهل أنت متزوج؟! قال: نعم والحمد لله ولدي أطفال ... قلت: إذن زوجتك ترعى أمك؟... قال: هي ما تقصر، فهي تطهو الطعام وتقدمه لها... وقد أحضرت لزوجتي خادمة حتى تعينها ..ولكن أنا أحرص أن آكل معها حتى أطمئن عليها، لأن عندها السكري !..... زاد إعجابي وحبست دمعتي !! واختلست نظرة إلى أظافرها فرأيتها قصيرة ونظيفة ... قلت: أظافرها؟؟ قال: قلت لك يا دكتورة هي مسكينة ... طبعا أنا.... نظرت الأم له وقالت: متى تشتري لي بطاطس ؟؟ قال: أبشري الحين أوديك البقاله!! طارت الأم من الفرح، وقامت تناقز... الحين، الحين... التفت الإبن وقال: والله إني أفرح لفرحتها أكثر من فرحة عيالي الصغار.. تظاهرت بأني أكتب في الملف حتى لا يبين عليَّ أني متأثرة !! وسألت: ما عندها غيرك؟ قال: أنا وحيدها لأن الوالد طلقها بعد شهر واحد من الزواج. قلت: أجل رباك أبوك !! قال: لا جدتي كانت ترعاني وترعاها، وتوفت – الله يرحمها – وعمري عشر سنوات. قلت: هل رعتك أمك في مرضك، أو تذكر أنها اهتمت بك، أو فرحت لفرحك، أو حزنت لحزنك ؟؟؟؟؟؟ قال: دكتووووورة أمي مسكييييييييينة... طول عمري من عمري عشر سنين وأنا شايل همها وأخاف عليها وأرعاها.
كتبت الوصفة وشرحت له الدواء...... أمسك يد أمه وقال: يله الحين نروح البقاله... قالت: لا نروح مكة ...استغربت وقلت لها: ليه تبين تروحين مكة؟ قالت: بركب الطيارة !!! قلت له: هي ما عليها حرج لو لم تعتمر، ليه توديها وتضيق على نفسك؟! قال: يمكن الفرحة اللي تفرحها إذا وديتها أكثر أجر عند رب العالمين من عمرتي بدونها. خرج هذا الشاب وأمه من العيادة، فسارعت بإقفال بابها، وقلت للممرضة: أحتاج للراحة، بكيت من كل قلبي، وقلت في نفسي: هذا وهي لم تكن له أماً ..فقط حملت وولدت... لم تربِّ، ولم تسهر الليالي... ولم تمرِّض، ولم تدرِّس... كما لم تتألمَّ لألمه، ولم تبكِ لبكائه، ولم يجافيها النوم خوفا عليه...لم ولم ولم....ومع كل ذلك تجد منه كل هذا البر!!
تذكَّرتُ أمي، وقارنتُ حالي بحاله ... ثم فكَّرت بأبنائي ....وتساءلت هل يا ترى سأجد منهم ربع هذا البر؟؟ مسحت دموعي... وأكملت عيادتي... وفي القلب غصة... عدت لبيتي... وأحببت أن تشاركوني يومي.
قال تعالى في سورة الإسراء: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) }
جاء في الأثر أن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) كانا ذات عامٍ في الحج، وحين فرغا من الطواف حول البيت العتيق، رأيا فتىً يحمل أمه العجوز على ظهره، ويطوف بها، ويرتجز:
أنا لا أزال مطيها لا أنفـرُ *** وإذا الركائب ذعَّرتْ لا أذعُرُ ما حملتني ورعتني أكثر
فالتفت عمر إلى علي، وقال: ما تقول يا أبا الحسن ؟! قال: نستأنف طوافاً جديداً ونتبع الفتى فلعل الرحمة أن تعُمَّنا !!!
وهناك أيضاً قصة كُلاب المشهورة وهو ولد أمية بن أشكر، وهذا رجل أدرك الجاهلية والإسلام، وابنه كلاب من وجهاء وسادات المسلمين، وقد استعمل عمر رضي الله عنه كلاباً على أيلة ، وكان قد خرج مع المسلمين في الجيش، وصار أميراً على أيلة لـعمر ، فاشتاق الأب لـكلاب يوماً من الأيام، فقال:
لمن شيخانِ قد نشـدا كُلاباً *** كتابَ الله، لو عقـل الكتابا أناديـهِ، فيعرضُ في إبـاءٍ *** فلا وأبي كلابٌ مـا أصابـا إذا سجعت حمامةُ بطنِ وادٍ *** إلى بيضاتهـا، أدعـو كُلابـا تركتَ أباك مُرعِشـةً يداه *** وأمـك ما تسيـغ لهـا شرابا فإنك والتماس الأجر بعدي *** كباغي الماء يلتمسُ السرابـا
ثم سمع عمر بالقصة فاستنشد الشعر منه، فأنشده له، فرق للأب، وأنفذ خلف كلاب أن يقبل، فقدم ووصف بره لأبيه، وأنه كان يحلب له في الإبل، وكان الأب غير موجود، فقال له عمر: احلب لبناً، فحلبه الولد، وحضر أمية وكان لا يرى الولد، فسقاه عمر من الإناء الذي حلبه ولده في غيبته وهو لا يراه، فقال الأب: إني لأشم رائحة يدي كلاب، فبكى عمر، وقال: هذا كلاب ، فضمه إليه. وقال عمر : جاهد في أبويك. قال ابن عبد البر : هذا الخبر صحيح.
| |
|