في وداع عمنا الاستاذ حيدر عبد الحميد

زائر

أخي أبا مسلم دعني أعيدك إلى الوراء وأهمس في روعك بكلمات هي قيض من فيض في رثاء عمك هذا الفارس الذي ترجل على حين غرة . العم حيدر, تلك الشجرة القامة التي لا نقول ماتت واقفة إلا بعد أن أورقت ثم أينعت فحانت قطافاتها تترا. عم حيدر تلك المشكاة التي لا نقول خبت مأسوفاً عليها إلا وقد أشعت وسرت بليل في رحابات وأفضاء البحث عن غايات الرضا السرمدي ..ذهب هذا الرجل وخلى في حلوقنا غصة ومرارة .. رحل وقد حفر في نفوسنا توقاً جميلاً وأشياء كثيرة من "حتى" ذاك الزمن الجميل,حيث الرفقة الخالدة ..احتوانا فيها بتحنان الأب الروحي" نعته بها أبناء راطة أمدرمان يوم نعيه" ونبل الأخ وتفاني الزول ود البلد. كان عدييداً ما يتجاوز لنا عن زلات ويتهادن معنا في حماقات.. رغم أننا بطبيعة الحال كنا نعرف للرجل حقه ونصون له عهده ونوقرله شيبته وهيبته (to his own measures, at least).

ما أثار فينا خواطر كهذه وهي أصلاً مختلجة فينا منذ فقده.. أقول ما أثارني هو أن رأيتني في المنام جالساً في مكان ما لعله بيت من بيوت الله؛ فدخل علينا عمك في هيية لا أخفيك أنها لم ترق لي بادي الرأي وفي و ملابس ليست أنيقة وقسمات ربما تشي بشيئ من الإعراض .. حدجني بنظرة ذات مغزى.. كمن يعاتبني لما قد أكون قصرت في حقة بحاجة ما. دخل من هنا وخرج من هناك لا يلوي على شيئ. غيرأنه ما تلبث أن عاد بعد غيبة في وضع مغايراً تماماً..هو دا عمك الذي تعرفه في هندام تام وفي بياض وإشراق ووجه كفلقة القمر.. بادي السعادة وعريض الابتسام. ثم بنظرة رائقة تعمد إطالتها وبأريحيته المعهودة ناداني بلسان الحال: " يا أبو الدفاع ,اتفضلوا ؛ فقلت وين يا حاج قال: إلى حيث أنا الآن.. ماك شايف؟!! " فهببت متهللاً وفسرت أحلامي بأن عمنا دا خلاص رجع مرضياً عنه بأذن رب الكعبة.

ألا رحم الله العم الأستاذ/ حيدرعبد الحميد محمد إمام وتقبله في عليين ..آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــن,,,

من أبو حازم – دفع الله الأمين أحمد حمد النيل- ودالأصيل

ودمتم,,,

بسم الله الرحمن الرحيم

مَضَى طاهِرَ الأثوابِ لم تبقَ روضـةٌ *** غَـداةَ ثـوَى إلا اشْتهَتْ أنها قبرُ
تردَّى ثيابَ الموتِ بيضاً فمـا دَجَى *** لها الليلُ إلا وهْيَ من سُندسٍ خُضْرُ

إنها حقاً رؤيا صالحة، يا أبا حازم، وقد صحَّ عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال: ( لم يبقَ من النبوةِ إلا المبشِّرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة ) رواه البخاري من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه). كما صحَّ عنه أنه قال: ( رؤيا المؤمن جزء من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة )، رواه مسلم من حديث عبادة بن الصامت (رضي الله عنه). ولكأني بالوالد حيدر، في هذه الرؤيا، يدعونا لنسلك مسلكه الذي ظل يراوح فيه بين المسجد والمصحف، ويزرع الفرح والغبطة أينما حل. كل من زامله أو جاوره أو اختلط به؛ علم أن قلبه معلق بالمساجد، وإنا لنرجو أن يكون من أولئك السبعة الذين يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله، وهم سبعة أصناف من المؤمنين، منهم رجل قلبه معلق بالمساجد، كما صح بذلك الحديث عن الصادق المصدوق ( صلى الله عليه وسلم ). قبل يومين التقيت الأخ/ عثمان الصومالي، زميلنا السابق بالبحرية القطرية، فأخبرني أن البحرية كلها في حزنٍ عظيم على رحيل الأستاذ حيدر ( رحمه الله )، وأنه كان لديهم حفل تخريج دورة من دورات مركز التدريب، فقرروا إلغاء ذلك الحفل حزناً على الفقيد العزيز.

الوالد حيدر عبد الحميد (عليه رحمة الله) كنت كثيراً ما أصفه بأنه بقية جيل المحجوب، وزرُّوق، وأولئك العمالقة الذين مضوا، وقد كان لنا كما قلت سراجاً منيراً؛ يُهتدى بنوره، ويُقتدى بأفعاله، وكان صدراً حنوناً يسع كل الأحبة والمعارف. حمامة المسجد، رفيق المصحف، الذي طُويَتْ صحيفة حياته مباشرةً بعد أن طوى سجادته لدى فراغه من أداء صلاة قيام الليل. والذي كان قد ترقَّى في الوظيفة حتى وصل خلال حقبة السبعينات من القرن الماضي إلى مرتبة توازي منصب وكيل الوزارة، ولكنه لم يخرج من ذلك كله إلا بقطعة أرض في المهندسين بأم درمان، منحت له حسب الخطة الإسكانية، باعتباره من مواليد أم درمان، وكونه مواطناً ظل يعمل في الخدمة المدنية منذ فجر الاستقلال، تلك القطعة التي لم يستطع أن يبني فيها شيئاَ قبل اغترابه في دولة قطر، حيث بناها بالقطاعي، وعلى مدى سنوات عديدة. كان محباً لكتاب الله لدرجة العشق والوله، فقد قال لي غير ما مرة أنه لا يخاف الموت إلا لأنه سيفرق بينه وبين المصحف، وكنت أقول له أن من كانت هذه نيته وعزيمة فإن الله قادر على أن يجمع بينه والمصحف ولو في قبره.

ألا رحم الله والدنا وعمنا وأستاذنا حيدر عبد الحميد، وكتب كتابه في عليين، ورفع درجته في المهديين، وألهمنا جميعاً نحن وكل كبدٍ ملتاعةٍ لفراقه، وكل قلبٍ مكلومٍ لفقده، وكل عينٍ دامعةٍ لرحيله، الصبر والسلوان وحسن العزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولا يفوتنا أن نستدرك باعتبار ما جاء في البيتين أعلاه، أننا نحسب أنه لقي ربه مرضياً عنه، نحسبه والله حسيبه؛ ولا نزكي على الله أحداً.

أبو مسلم/ إسماعيل المحينة

عدد المساهمات : 99 تاريخ التسجيل : 14/03/2008

نسأل الله لفقيدكم و فقيد العلم الرحمة و لأهله حسن العزاء