استراحة عريجاوية جميلة يا ود عنتر يا (تلتل)... أنا أنطقها بضم التائين الأولى والتانية – هكذا (تُلْتُل) – فهل هذا هو النطق الصحيح ؟!
وهاك دي استراحة عريجاوية تانية:ـ
إنت عارف أنا كنت هلالابي منذ طفولتي حتى عام 1985م حين تحولت لتشجيع المريخ!!
فما هو السبب الخلاني أبقى هلالابي في أيام الطفولة، وما هو السبب الخلاني أقلب من الهلال للمريخ؟؟!
السبب في أن أكون هلالابي هو الأخ/ سيف الدين حسن حدباي (المريخابي المتعصب)!!
كنا صغاراً نلعب حرَّت وشدَّت وقلنقاسك و(الرمة وحبَّاسا) ... الخ،،، وكنا أنا وسيف متقاربين في السن، والكبار هم ناس محمد قسم الله (مليح أو تمساح) ومضوي وحمد وتندلتي، فعندما نأتي لبداية اللعب يقف مليح ومعه شخص آخر في مثل سنه (حمد أو تندلتي مثلاً) ويكونوا هم الروس، ثم نتفرق نحن الصغار في ثنائيات، ويأتي كل ثنائي إلى الروس قائلاً: (الروس الروس)، فيردون علينا (مرحب التروس)، فنقول لهم: (من الطويل للقصير)، فيختار أحدهم الطويل ويختار الآخر القصير، وهكذا حتى نتوزع إلى فريقين!!
كنت يوماً في ثنائي مع سيف الدين، فقلت له: (نقول من الطويل للقصير)، فقال لي: (لا نقول من الهلال للمريخ)، فسألته: (الهلال والمريخ ديل شنو ؟؟!)، فشرح لي أنهما فريقان كبيران في الخرطوم، فبادرت باختيار الهلال لأن اسمه خفيف وسلس على اللسان بعكس المريخ، كما أن الهلال معروف لنا في هلال رمضان وهلال العيد، أما المريخ فلا أحد يعرفه، ومنذ ذلك اليوم أنا صرت هلالابي وسيف الدين صار مريخابي!!
أما تحولي من الهلال إلى المريخ، فقد كان المريخ قديماً يتفوق كثيراً على الهلال، وكان ذلك يحز في أنفسنا كثيراً نحن الهلالاب... وفي ذات ليلة مظلمة تحركت (كداري) من منزل العزابة الذي كنت أقيم به مع (بريش) في لفة الكلاكلة متجهاً إلى نادي يقع في أقصى الطرف الغربي للكلاكلة القبة، لكي أشاهد في التلفزيون مباراة بين الهلال واتحاد بورسودان على بطولة المربع الذهبي لكأس السودان، وكان المربع الذهبي يتكون من الهلال والمريخ وأهلي مدني واتحاد بورسودان، وكان موقف الهلال سيئاً في البطولة، فقد انهزم أمام المريخ، وهو بحاجة ماسة للفوز في مباراة اتحاد بورسودان لكي يحيي آماله في البطولة... حضرنا تلك المباراة، وقد منح الحكم الهلال ضربتي جزاء في تلك المباراة، إحداهما مشكوك فيها والأخرى لا وجود لها على الإطلاق... تصدى الكابتن مصطفى النقر لضربة الجزاء الأولى، ونحن في غاية التوتر وتكاد قلوبنا تخرج من الصدور، فإذا به يضعها في يد حارس الاتحاد كأضعف ضربة جزاء أشاهدها في حياتي... وسعى الحكم جاهداً لإنقاذ موقف الهلال فمنحه ضربة جزاء أخرى قريباً من نهاية المباراة... فانبرى لها نفس اللاعب الهمام (الكابتن النقر)... وكان هناك بعض الحضور من المريخاب يشمتون ويضحكون ويقولون أنه سوف يضيِّع هذه الضربة أيضاً ... فما كان مني إلا أن صرَّحت بصوت مرتفع: (والله يضيِّع البلنتي دي برضها؛ أنا تاني ما أقعد هنا دقيقة واحدة !!)... أما كابتن الهلال فقد رجع إلى الوراء لمسافة سحيقة، ثم جاء مندفعاً وأطلق صاروخاً ارتطم بالعارضة وارتد إلى منتصف الملعب... وسط ذهولنا وقهقهات المريخاب الشامتين ... الكابتن أضاع ضربتي جزاء في مباراة واحدة!!!!
أما أنا فقد خرجت على الفور من النادي، وأنا أسمع شماتات المريخاب وتعليقاتهم الساخرة مثل (هلالاكم ده طيش البطولة بلا منافس)، و[خلوها لي ناس (قلة) و(مامون صابون) و(عادل أمين)، و(سامي عز الدين) و(جمال أبو عنجة) و(عيسى صباح الخير)] – بصراحة ديل كلهم كانوا نجوماً متلألئة!!
سرت قاصداً البيت في تلك الليلة المظلمة وعفاريت الدنيا كلها تتنطط من حولي، وفكرت أن أطلق الكرة وتشجيعها إلى غير رجعة، ثم وجهت لنفسي هذا السؤال: ما الذي يجبرني على تشجيع الهلال؟ نعم أنا مجبور على تشجيع العريجاء لأنها قريتي، ومجبور على تشجيع السودان لأنه وطني، ولكنني غير مجبور إطلاقاً على تشجيع الهلال، فالهلال والمريخ ناديان سودانيان، فلماذا لا أختار الأفضل منهما وأشجعه، فأنا قد كنت طفلاً عندما أخترت الهلال، لمجرد أن اسمه كان أوقع في نفسي من اسم المريخ، أما الآن فأنا شاب راشد، ذو عقل ناضج، أستطيع أن أميز بين الصالح والطالح، والمريخ هو الأقرب إلى طبعي لأنني كنت ألعب الكرة بقوة وحماس وخشونة قانونية، والمريخ كان لاعبوه يلعبون بقوة وحماس وغيرة، بعكس لاعبي الهلال!!! وهكذا قررت التحول من مشجع هلالابي إلى مشجع مريخابي، وكنت أعلن ذلك على الملآ وأصرح به أمام الجميع، حتى قال عني الأستاذ يوسف عوض الكريم (الهلالابي المتعصب):ــ (أنظروا إلى هذا الذي صبأ عن دينه !!)... والعجيب أنه بعد تحولي لتشجيع المريخ بقليل تمكن المارد الأحمر من الظفر بكأس سيكافا 1986م، وهو أول كأس جوي يحرزه نادي سوداني على الإطلاق...