Ismail
عدد المساهمات : 2548 تاريخ التسجيل : 05/02/2008 العمر : 44 الموقع : aykabulbul@gmail
| موضوع: كم هي قصيرة أعمار العباقرة الأربعاء 31 ديسمبر 2008, 3:20 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
كم هي قصيرة أعمارالعباقرة!
استمع إلى هاتين القصتين:-
القصة الأولى:
بينما كان الشاعر/ أبو العلاء المعري يمشي في الطريق، إذ لقيه غلام يافع، فقال له: ألستَ القائل:
وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُه **** لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل
قال أبو العلاء: بلى.
قال: فإن الأوائل قد أتوا بثمانية وعشرين حرفاً من حروف الهجاء، فزد عليها واحداً!
فقال أبو العلاء: إن هذا الغلام لن يعمر!
فكان كما قال، إذ مات الغلام وهو لا يزال حدثاً صغيراً.
القصة الثانية:
أنشد الشاعر/ أبو تمام (حبيب بن أوس الطائي) أحمد بن المعتصم، في حياة أبيه، وبحضرة فيلسوف العرب الشهير يعقوب بن الصباح الكندي، قصيدته التي يمدحه بها ويقول في مطلعها:
ما في وقوفك ساعةً من باسِ **** تقضي رسوم الأربع الأدراسِ
وانتهى إلى قوله:
إقدامُ عمروٍ في سماحةِ حاتمٍ **** في حلم أحنفَ في ذكاءِ إياسِ
قال له الكندي وبعض الحاضرين: ما زدت أن شبهت ابن أمير المؤمنين بصعاليك العرب، ومن هؤلاء الذين ذكرت، وما قدرهم؟!
فأطرق أبو تمام قليلاً، ثم أنشد:
لا تُنكروا ضربي له من دونه **** مثلاً شَروداً في الندى والباسِ
فاللهُ قـد ضـرب الأقـلَّ لـنـوره **** مثـلاً من المِشكـاة والنِّبـراسِ
فجُنَّ الحاضرون استحساناً لما سمعوا، لا سيَّما وأنه قد ارتجل هذين البيتين على البديهة، ولم يجدوا لهما أثراً في الورقة التي كتبت فيها القصيدة، وأجزل له أحمد بن المعتصم العطاء، فأعطاه على هذين البيتين ضعف ما أعطاه على القصيدة كلها.
فلما خرج أبو تمام، قال الكندي: إن هذا الفتى قصير العمر، لأنه ينحت من قلبه، فكان كذلك؛ حيث مات أبو تمام وهو في سن الخامسة والثلاثين.
وقد مات كثير من العباقرة، وهم في سن مبكرة، من هؤلاء، على سبيل المثال لا الحصر:ـ
· الأسكندر المقدوني: الذي دوَّخ الدنيا، وجاب الأرض بطولها وعرضها، شرقاً وغرباً، وفتح كل الممالك التي كانت قائمة في عهده، مات وعمره لم يزد على 32 عاماً.
· الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، لم يعش أكثر من نحو ستة وعشرين عاماً، وكان بعد ذلك يسمى (ابن العشرين)، وهو صاحب إحدى المعلقات السبع، ومن نوابغ زمانه في الشعر، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يحفظ من الشعر إلا بيتاً واحداً ، هو بيت طرفة المشهور:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً *** ويأتيك بالأخبار من لم تزوِّدِ
· الخليفة عمر بن عبد العزيز (رحمه الله) الذي كان مثالاً في العدل وحسن السياسة، حتى سمي خامس الراشدين، لم يعمر أكثر من 39 سنة، أما عمره في سدة الخلافة فلم يجاوز السنتين، وفي هاتين السنتين استطاع أن يحقق نبوءة الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث قال في حديث عدي بن حاتم الذي رواه أحمد والبخاري (ليفيضنَّ المال حتى لا يوجد من يقبله) فقد فاض المال في عهده ولم يوجد من يحتاج إليه.
· سيبويه، واسمه عمرو بن عثمان، الذي كان نابغة زمانه، وكان إمام مذهب البصريين في النحو، مات وهو في الأربعين من عمره، وصنَّف كتاباً واحداً في النحو، سمَّاه (الكتاب). هذا العبقري أو (الحوار الغلب شيخو) كان قد تفوق في علم النحو على شيخه، الخليل بن أحمد الفراهيدي، حتى ألجأه إلى البحث عن علمٍ آخر، لا يضارعه فيه أحد، فوضع علم العروض (أوزان الشعر العربي).
· أبو فراس الحمداني الشاعر، واسمه الحارث بن سعيد بن حمدان، صاحب المواهب المتعددة في الأدب والشعر والفروسية وقيادة الجيوش، والذي لا تزال قصائده، لاسيما الروميَّات منها، خالدة على مر الدهور والعصور، توفي وعمره لم يتجاوز السادسة والثلاثين. قال الصاحب بن عبَّاد: (بُدِئ الشِّعر بملك وخُتِم بملك) يعني امرأ القيس وأبا فراس.
ولما جرح أبو فراس في قتاله لأبي المعالي بن سيف الدولة، وأشرف على الموت، قال مخاطباً ابنته، وراثياً نفسه:
أبُـنَـيـَّـتــي لا تـحــزنـي *** كلُّ الأنـام إلى ذهـــــابِ
قــولـي إذا نـاديــتـِـنــي *** فعييتُ عن ردِّ الجـوابِ
زيْنُ الشباب أبو فراسٍ *** لـم يـُمَــتـَّعْ بالـشـــبـاب · بديع الزمان الهمذاني، واسمه أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني، الذي كان أول من ابتكر فن المقامات (ثم أخذها عنه بعد ذلك الحريري)، توفي وعمره 39 سنة فقط، وقد كان عبقرياً يضرب المثل بقوة حفظه ويذكر أن أكثر مقاماته كانت ارتجالاً عفو الخاطر، والذي ما لقب ببديع الزمان إلا لأنه كان فريد عصره! هذا العبقري لم يعمر أكثر من 39 عاماً فقط.
· الإمام النووي (يحيى بن شرف)، الذي له ثلاثة كتب لا يكاد يخلو منها بيت مسلم؛ وهي: رياض الصالحين، والأذكار، والأربعون النووية، بالإضافة إلى مصنفات أخرى عديدة مثل شرح صحيح مسلم، وروضة الطالبين وعمدة المتقين وشرح المهذب، والمنهاج في الفقه، والإيضاح في المناسك، وتهذيب الأسماء واللغات، وخلافها. هذا العلامة توفي وعمره 44 عاماً فقط.
· التيجاني يوسف بشير، الشاعر السوداني الفذ، توفي وعمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين، وهو الذي قال عنه أحد النقاد: " فلو أن القدر أمهله حتى يبلغ الأربعين، لن يكون هناك عبقريٌّ من الجن يفري فريه في مضمار الشعر التجديدي"، وهو الذي صنفه الناقد السوري أحمد قبِّش، في كتابه القيم (تاريخ الشعر العربي الحديث)، باعتباره مؤسساً لمدرسة شعرية لها مميزاتها الخاصة، أطلق عليها اسم (المدرسة التيجانية)، ووضع تحت لوائه في هذه المدرسة ثلاثين شاعراً من مختلف أرجاء الوطن العربي؛ منهم أبو القاسم الشابي، وحسن عبد الله القرشي، وأبو الحسن بن شعبان، ومحمود شوقي الأيوبي، وعلي محمد الرقيعي، وجيلي عبد الرحمن. · أبو القاسم الشَّابي، الشاعر التونسي الكبير، وأحد أشهر الشعراء الرومانسيون العرب، صاحب الشعر الخالد الذي لا زالت لأجيال تردده وتتغنى به، توفي في ريعان شبابه، في الخامسة والعشرين من عمره، أي في نفس السن التي توفي فيها التيجاني، وهو أحد معاصري التيجاني، ولكنه كان يكبر التيجاني بسنتين وتوفي قبله بسنتين. وهو شديد الشبه بالتيجاني في أشياء عديدة، من ذلك المدرسة الشعرية الواحدة، والنبوغ المبكر، والوفاة المبكرة، وحتى العلة التي كانت سبباً في الوفاة. · الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي: العلامة السعودي المعاصر، والداعية السلفي الكبير، والذي لم يعمَّر أكثر من 34 عاماً، ترك لنا من خلالها إرثاً ضخماً من المصنفات البديعة، منها؛ كتاب أرجوزة سلم الوصول إلى علم الأصول في توحيد الله واتباع الرسول، ومعارج القبول - شرح سلم الوصول، وكتاب:أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة، ورسالة:الجواهر الفريدة في تحقيق العقيدة، ورسالة: اللؤلؤ المكنون في الأسانيد والمتون، وكتاب السبل السوية لفقه السنة المروية، وكتاب: نيل السول في التاريخ والسيرة النبوية، ورسالة النور في علم الفرائض، والمنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية، وغيرها كثير.
وبحمد الله تعالى والصلاة والسلام على رسوله الكريم نختم هذا البحث (أبو مسلم) إسماعيل البشير | |
|