بسم الله الرحمن الرحيم
الشلوخ عادة سودانية مندثرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
هذه محاولة متواضعة لإلقاء الضوء حول الشلوخ وما شاكلها من العادات السوانية المندثرة مثل دق الشلوفة، وشامة الخد.
أولاً ينبغي أن يعلم أن الشلوخ، ودق الشلوفة، وما شابه ذلك من الوشم وتفصيد الوجه؛ عبارة عن تشويه للخلقة الفطرية للمرأة والرجل على حدٍ سواء، فالجمال الطبيعي ليس له نظير. والله قد خلق الإنسان في أحسن تقويم. كما أن فيها تغييراً لخلق الله؛ وهو محرم شرعاً بنص الكتاب والسنة، فقد جاء في القرآن الكريم وعيد إبليس عليه لعنة الله بأنه سوف يأمر بني آدم بتغيير خلقة الله تعالى (ولأضلنَّهم، ولأمنِّينَّهم، ولآمرنَّهم فليبتِّكُنَّ آذان الأنعام، ولآمرنَّهم فليُغيِّرن خلق الله) النساء - الآية (119)
وصح عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حديث : (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامِصات والمتنمِّصات، والمتفلِّجات للحُسن، المُغيِّرات خلقَ الله) متفق عليه، من حديث ابن مسعود (رضي الله عنه).
ومن مفاسد عادة التشليخ أن فيها تعذيب للإنسان، لأن الشلخ يحفر حفراً في خد المرأة ويتم إخراج شريحة لحم من ذلك الأخدود، وتستخدم في ذلك أدوات ومباضع بدائية صدئة وغير معقمة، ويتم تطبيب الجروح بأساليب تقليدية، تؤدي إلى تلوث الجرح والتهابه أكثر مما تؤدي إلى تطهيره واندماله. وكثيراً ما كان يتسبب ذلك في إصابة النساء بمرض التشنُّج (التيتانوس)، الذي كان أهلنا يسمونه (القَصَر)، وهو مرض قاتل، قلما ينجو مصاب به من الموت.
وكانت عملية التشليخ تمثل رعباً حقيقياً للفتيات، لما فيها من ألم وعذاب ودماء، يعقبها ورم، وقيح، والتهاب جروح. وكانت تتم تحت إجراءات تعسفية مشددة، حيث يمسك البنت مجموعة من النساء، يثبتن يديها ورجليها ورأسها، وهي تقاوم، وتصرخ، وتستغيث، ولكن لا فكاك ولا خلاص حتى تبلغ العملية نهايتها، حسب ما هو مخطط لها.
وحيث أن هذا الكلام ربما يكون مؤلماً بعض الشيء، لأننا نرى هذه الشلوخ مرسومة على أوجه أمهاتنا وحبوباتنا، فإن عزاءنا أن كل أمهاتنا وحبوباتنا المشلخات قد أجريت لهن عملية التشليخ، وهن صغيرات يافعات في سن السابعة أوالثامنة، أي قبل أن يبلغن سن الرشد، ويجري عليهن قلم التكليف، وكثير منهن كن مكرهات على ذلك، لذلك نحن نرجو أن لا يقع عليهن إثم في هذا الشأن، كما أن أهلهن الذين كانوا يفعلون بهن تلك الفعلة ربما كانوا يجهلون الحكم الشرعي الذي يحرم هذه الممارسات، وكانوا يعتبرونها عملية تجميل للمرأة، ليس فيها أي محظور شرعي.
ولكن هذه العادة تعتبر قديمة في السودان، بل في أفريقيا كلها، ولها عدة مقاصد، من ذلك أنهم كانوا يعدونها سمة جمالية (في المرأة بشكل خاص)، وهناك مقاصد أخرى منها أنها شعار للقبيلة التي ينتمي إليها الفرد (في الرجل بشكل خاص)، فهي بمثابة علامة يتعارفون بها في الحروب وغيرها.
وكان الشعراء في السودان إلى عهدٍ قريب يتغنون بجمال الشلوخ في المرأة. من ذلك قولهم في الشعر الغنائي:
الكوراك في الطلوح *** ومرقوا أخوان أم شلوخ.
والشلوخ مطارق *** لون البرتكان اللي دمي حارق.
الزول لهيجو السكَّري *** شلاخو بحر الدُكَّري
(والدكري هو السيف).
من أرياحك المعدومة *** من شلاخك المرسومة
من فتيلتك المايقومـا *** أنا عينيَّ جافـت نومـا
والله قال لي مرضك كُتُر *** سببك أم شلاخاً خُدُر
يا يمة ما شفتي *** والزول مشلَّخ تي
وفي شعر الدوبيت:
قال الحاردلو:
من سرق إيدي جيزان الدموع بشَّاهِن
رقدن في الشلوخ للنافلة ما قشَّاهن
وقال آخر:
اتوحلت وقلبي قال لي ماك مارق
وين الشلخو شلباية وتلاتة مطارق
وقال آخر:
الشلاخ زي بحر والدمعة فوقو تبيِّت
وعرق الجاهلة في فستانها يحيي الميِّت
وقال آخر:
أصلو التوب سمح فوق المبرع ديسا
ستاتو القبيل فوقن شلوخ ود عيسى
وشلوخ النساء المشهورة في وسط السودان هي المطارق والعوارض، بالإضافة إلى مدقاق صغير على شكل الحرف (T) يسمونه الرشيم أو درب الطير. والمطارق عبارة عن ثلاثة خطوط رأسية في كل خد، أما العوارض فهي ثلاثة خطوط رأسية أسفلها خط أفقي، وهو الذي يسمى العارض أو الشلباية.
أما شلوخ الرجال فأشهرها المدقاق، على هيئة الحرف (T) والسلم، على هيئة الحرف (H).
طبعاً هذا في وسط السودان أما في بقاع أخرى من السودان، فهناك أشكال عديدة من الشلوخ، ففي الشمال نجد شلوخ الشايقية، التي ليس لها مثيل في السودان كله، لأنها ثلاثة شلوخ أفقية في كل خد، وذلك في النساء والرجال على حد سواء. أما في الشرق فتجد الشلوخ المطارق لدى الرجال والنساء، وفي الغرب تجد الوشم والتفصيد في وجوه النساء، ولا يكاد يوجد شيء في وجوه الرجال، وفي الجنوب تكون الشلوخ غالباً في الجبهة، وهي تختلف من قبلية لأخرى، فتجدها أحياناً على شكل فصود أفقية، وأحيانا على شكل سبحة، كما هو الحال بالنسبة لقبيلة الشلك.
وقد اندثرت موضة الشلوخ هذه في وسط السودان منذ منتصف القرن الماضي، وأصبح الشعراء يتغنون بجمال المرأة غير المشلخة، ويسمونها (السادة) أو (الغُفُل) ومن ذلك قول أحد شعراء الدوبيت:
مهيرة فارس الدقَّ النحاس في حوشا
دي البشَّر عريسا ونسَّفَتْلو كلوشا
الخلا أفكاري بالتيه الدلال مدهوشة
عشان صفرا ودعجا وسادة ما منقوشة
من الطرائف التي سمعتها في موضوع الشلوخ قصة ذلك البروفيسور السوداني الذي كان يعمل في إحدى الجامعات الخليجية، وهو مشلَّخ شايقي، وبينما كان ضيفاً في بيت أحد الإخوة السودانيين، ومعه كوكبة من علية القوم، وهو بينهم كالقمر بين الكواكب، إذ دخل فجأة شاب شايقي ومعه ابنته الصغيرة، والتي ما إن وقع بصرها على البروفيسور حتى صاحت بأبيها وهي تشير إلى البروفيسور: (بابا ... بابا ... شوف الزول داك يشبه حبوبتي).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
[/size] إسماعيل البشير (أبو مسلم)