الشاعر جرير والجارية أمامة
قيل إن الحَجَّاج بن يوسف الثقفي أَتَى بجارية بيضاء مديدة القامة، وكان الشاعر جرير بن عطية الخطفي الشاعر الأموي المشهور جالساً في المجلس.. فقال له الحَجَّاج بن يوسف: إن أصبت صفتها فهي لك، فقال جرير: ما اسمها؟ فقال له: أُمامة، فأنشد جرير قائلاً:
وَدِّع أُمامَةَ حانَ منكَ رحيلُ
إن الوَدَاعَ لمن تُحِبُّ قَليلُ
مِثلَ الكَثيبِ تَمايَلَتْ أعطافُهُ
فالريحُ تَجْبُرُ مَتْنَهُ وتَهيلُ
هَذي القلوبُ صَوادِياً تَيَّمتها
وأَرَى الشفاءَ وما إِليهِ سَبيلُ
فقال له الحَجَّاج: خذها هي لك، فقد جعل الله لك السبيل إليها.. فأمسك جرير بيدها فَتَمَنَّعت عليه، فقال:
إنْ كانَ طِبَّكُمُ الدَّلالُ فإنَّهُ
حَسَنٌ دَلالُكِ يا أُمَامَ جَميلُ
فضحك الحَجَّاج، وأمر بتجهيزها معه إلى اليمامة.. فلحقه بعض الناس وأعطوه عشرين ألفا من الدراهم ولكنه رفض بيعها، وفي ذلك يقول جرير:
إذا عَرَضوا عشرينَ ألفاً تَعَرَّضَتْ
لأُمِّ حَكيمٍ حاجَةٌ هي ماهِيا
لقد زِدْتِ أَهلَ الرِّيِّ عندي مَوَدَةً
وحَبَّبتِ أَضعافاً إليَّ الـمَوَاليا
وأم حكيم هي الجارية أُمامة، وهي من بلدة الرِّيِّ، وقد تزوجها جرير وولدت له حكيماً، وبلالاً، وحَزْرَة، وتعرف أحياناً بأم حَزْرَة.. وهي التي رثاها جرير بعد موتها بقصيدته الشهيرة التي يقول فيها:
لولا الحَياءُ لهاجَني استعبارُ
ولَزُرْتُ قَبركِ والحبيبُ يُزَارُ
ولقد نَظَرتُ وما تَمتُّعُ نَظرة
في اللَّحدِ حيثُ تَمَكَّنَ الـمِحفارُ
فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيركِ نَظْرَةً
وسَقَى صَداكِ مُجَلْجِلٌ مِدرَارُ
وَلَّهتِ قَلبي إذْ عَلَتني كَبْرَةٌ
وذَوو التَّمائمِ من بنيكِ صِغارُ
صَلَّى الملائكةُ الذين تُخِيُِّروا
والطّيبونَ عليكِ والأَبرارُ
وأدباء العرب القدماء فضلوا جريراً في أربعة أبيات قالها وهي في الفخر:
إذا غَضِبَتْ عليكَ بَنُو تَميمٍ
حَسِبتَ الناسَ كُلَّهمو غِضابا
وقوله في المديح:
أَلَستُم خَيرَ من رَكِبَ المطَايَا
وأَندى العالمينَ بُطُونَ رَاحِ
وقوله في الهجاء:
فَغُضَّ الطَّرفَ إنَّكَ من نُمَيرٍ
فلا كَعباً بَلَغْتَ ولا كِلابا
وقوله في الغزل:
إنَّ العيونَ التي في طرفها حَوَرٌ
قَتَلنَنَا ثم لم يُحيينَ قَتلانا
يصرعن ذا اللبِّ حتى لا حراك به
وهنّ أضعفُ خلق اللهِ إنسانا