بسم الله الرحمن الرحيم
من صور حلم النبي وسماحة نفسه
كان للنبي (صلى الله عليه وسلم) ابن عم يدعي أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مشركاً معانداً، مجاهراً بعداوته للإسلام، كثير الأذى لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، على الرغم من أنه ابن عمه، فكان ينظم الشعر في هجاء النبي، ويظاهر المشركين الآخرين على أذيته، والنيل منه، ومن دينه، ومن أصحابه؛ لاسيما الضعفاء منهم. والعجيب أن أبا سفيان هذا كان من أشد الناس شبهاً برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حاله في ذلك حال الحسن بن علي، وجعفر بن أبي طالب، وقثم بن عباس (رضي الله عنهم جميعاً)
أخيراً بعد أن قويت شوكة الإسلام واشتد عوده، بعد وقعات مشهوده له مع مشركي قريش، منها؛ بدر وأحد والخندق والحديبية، وبعد أن فتح الله على المسلمين خيبر معقل اليهود بجزيرة العرب؛ خرج أبو سفيان ابن الحارث تائباً نادماً قاصداً مدينة النبي (صلى الله عليه وسلم) ليعلن عن إسلامه وهجرته، فلقي جحافل جند الإسلام في منتصف الطريق، حين كانوا خارجين، تحت قيادة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لفتح مكة، بعد أن نقض أهلها الصلح (صلح الحديبية)، واعتدوا على بني خزاعة حلفاء رسول (صلى الله عليه وسلم).
اتجه أبو سفيان إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعرض عنه وأشاح بوجهه – فهو الذي لم يراع قرابته لرسول الله، وصله الرحم التي بينهما، ولم يرقب فيه ولا في المؤمنين إلاً ولا ذمة – وكرر المحاولة عدة مرات دون جدوى، حتى أخذ اليأس يدب في قلبه، وسعى لدى عدد من الصحابة ليشفعوا له لدى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأبوا ذلك عليه، حتى إذا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وتمكن اليأس من قلبه، قال له ابن عمه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): اذهب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقف حذاء وجهه، وقل له ما قاله إخوة يوسف ليوسف (عليه السلام): [ تالله لقد آثرك الله علينا، وإن كنا لخاطئين ] يوسف - الآية (91)، فلما واجه أبو سفيان النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال له ذلك؛ رد عليه رسول الله على الفور: [ لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ] يوسف – الآية (92).
فكانت تلك بداية إسلام أبو سفيان بن الحارث (رضي الله عنه)، وفيها ضرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في الحلم والتسامح وكرم النفس، بنفسي هو، وفداه أبي وأمي...
وصلى الله وسلم وبارك عليك يا صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والمقام المحمود.