Admin Admin
عدد المساهمات : 302 تاريخ التسجيل : 30/12/2007
| موضوع: منقول من مجلة الصحه القطريه بقلم اسماعيل البشير علي الأربعاء 08 أكتوبر 2008, 3:50 am | |
| بين شـوقي وطوقان
إســــــمــاعـيــل الـبـشــــــــير عــلــي إدارة الإعلام - مؤسسة حمد الطبية
منذ أن نظم أمير الشعراء أحمد شوقي رائعته (الُمعلِّم)، ما فتئ المعلمون يرددون مطلعها الشهير على مسامع تلاميذهم في الطوابير الصباحية وفي قاعات الدرس، وبمناسبة وبغير مناسبة، عدا معلمٌ واحد هو المعلم والشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، والذي كان له رأي آخر حول هذه القصيدة، صاغه في قصيدة أخرى لا تقل روعةً عن قصيدة شوقي، بيد أن قصيدة أمير الشعراء كانت من الشعر الجاد وقصيدة طوقان من الشعر الفكاهي الطريف (الكوميدي).
استهل شوقي قصيدته بذلك المطلع الرائع الذي يحفظه اليوم كل من ينطق بالعربية، منوهاً بالدور العظيم الذي يلعبه المعلم والرسالة السامية التي يؤديها، داعياً إلى أن يقابل هذا المربِّي بما يستحقه من احترام وتكريم:
كـاد الــمـــعــلــــم أن يكــون رســــولا
يــبــني ويـنـشــئُ أنـفـســـــاً وعــقــــولا قـــــــم للـمــعــلــــم وفــــــِّه التبـجــيــلا
أعلـمــت أشـرف أو أجــل من الـذي
ثم أشار إلى نعمة العلم الذي أنعم الله به على خلقه وهداهم إلى وسائله وأسبابه، فأرسل رسله مبشرين ومنذرين لإخراج البشرية من ظلمات الكفر والغي والجهل إلى نور الإيمان والعلم والرشاد.
عـلًّــمـــت بالـقــلــــم الـقـــرون الأولى
و هديته النــور المبــين سبـيــــلا
وابن الـبـتـول، فــعــلـــَّم الإنـجــيــلا
فسقـى الـحـديـث، ونـاول التنزيـلا سـبـحــانك اللـهــــم؛ خير مـعـلــــم
أخرجـت هذا العقــل من ظلمـــــاتـه
أرســلـت بالتــوراة مـوسـى مرشــــداً
وفـجــــرت يـنـبـوع البـيـان محـمــَّداً
بعد ذلك يبين أمير الشعراء كيف تخلينا عن الأخذ بأسباب العلوم؛ فتخلفت أمتنا عن ركب الحضارة والتقدم، وصرنا في ذيل الأمم، بعد أن كنا قادة العالم وسادة البشرية ورادة الحضارة والمدنية.
مــــا بـال مـــغــــربــهـــا عــلــيــه أُديـــلا
بين الشموس وبين شرقك حِيلا
في العلم، إن مشت الممالك مِيـلا
لا يـحـــســــنــون لإبــرةٍ تــشــــكـــيـــلا من مشرق الأرض الشموس تظاهرت
يـا أرضُ مـــذ فـقـــــد المــعــلـــم نـفــســـَـــه
حـتـى رأيـنــا مـصـــر تـخـطـــو إصـبـعـــاً
إن الذيــن بـنـى الـمــســــلـَّــة جـــدَّهــــــم
ثم ينتقل شوقي نقلة رائعة ليدعو الأمة إلى الأخذ بمقومات الحضارة ودعائم التقدم والرقي، ملخِّصاً ذلك في العلم والعدل والأخلاق.
كيـف الحيـاةُ علي يدي عِزريـلا
رضـع الرجــال جـهـالـةً وخــمـــولا
روحُ العــدالـة في الشــبـاب ضـئـيـلا
فـأقـــمْ عـليـهـــم مـأتـمــــاً وعـــويـــلا الـجـهــل لا تـحـيـا عليـه أمَّــــــةٌ
وإذا الـنــســــــــاء نـشــــــأن في أمــِّــيــــَّةٍ
وإذا المـعـلـــمُ لم يـكـن عـدلاً مـشـى
وإذا أُصـيـب القـــوم في أخـلاقـهــــم
ثم يختم أمير الشعراء رائعته بالتنبيه إلى دور الأسرة وأهميته البالغة في تربية النشء وتعليمهم؛ فالأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى؛ فلا بد من اهتمامها بالأبناء ولا بد من التعاون وتضافر الجهود بينها وبين المدرسة لتربية الأجيال وغرس قيم الفضيلة والحق في نفوسهم. ليس اليتيـم من انتهى أبواه مـن فأصاب بالدنيا الحكيمــة منهمـا إن اليـتـيـــم هـــو
هــــمِّ الـحـــيـــاة وخــلَّــفــــاه ذلـيــلا
وبـحـســن تربـيـة الزمـــان بديـلا
أمـَّــاً تـخــلَّــت أو أبــًا مــشـــغــــــولا ليس اليتيـم من انتهى أبواه مـن
فأصاب بالدنيا الحكيمــة منهمـا
إن اليـتـيـــم هـــو الـذي تـلـقــى لــه
ثم جاء إبراهيم طوقان. وهو شاعر فلسطيني ولد عام 1905م؛ وشوقي حينذاك في السابعة والثلاثين من العمر، شاعر ناضج قد طبقت شهرته الآفاق. جاء طوقان، الذي كان يعمل مدرسًا للغة العربية، ليعارض قصيدة شوقي بقصيدة طريفة، بعنوان (الشاعر المعلِّم)، تصف مدى البؤس والمعاناة التي يكابدها المعلِّم مع التلاميذ الصغار. فالمعلم لدى طوقان لا يستحق هذا القيام والتبجيل الذي دعا إليه أمير الشعراء.
قــم للـمــعلـم وفــِّه التبـجــيــلا
مـن كان للنشء الصغــار خليـلا
كـاد الـمــعــلـــــم أن يكــون رســــولا شوقي يقــول، ومـا درى بمصـيـبـتي
اقـعــدْ فـديتك هـل يكـون مبـجـــلاً
ويكــاد يـفـــلـــقــني الأمـيرُ بـقــــولــــه:
وشوقي شاعر من شعراء البلاط تمرَّغ في النعمة وعاش حياة الرغد والرفاهية؛ ولم يجرِّب ما يكابده المعلم من توتر ونفاد صبر وانفعالات عصبية وضغوط نفسية؛ مردُّها جميعاً إلى التعامل مع هؤلاء الصغار.
لقضى الـحـيـاةَ تعـاســــةً وخــمــولا
مــــرأى الـدفــاتــر بـكـــــــرةً وأصـيـــلا
وجَدَ العمـى نـحــو العيـون سبيـلا لو جـرَّب التعـلـيـمَ شــوقـي سـاعــــــةً
حــســب الـمـعـلـــم غــمـــــــةً وكـآبـــةً
مـائـةٌ على مـائـةٍ إذا هي صُحِّـحـت
فها هو ذا المعلم يبذل كلَّ جهدٍ ممكن ليشرح الدرسَ للتلاميذ، ويستخدم كافة وسائل الإيضاح المتاحة، ويستعين بالأمثلة والشواهد والقرائن. ولكن ما هي النتيجة؟!
ما كنت ويحك بالعيون بخيـلا
مـــثـــلاً، وأتَّـخِـــــــذُ الكــتــاب دلــيـــلا
أو بالـحــديـــث مـفـصَّــلاً تفـصـيــلا
مــا لـيـس مـبــتــذلاً ولا مـنـحـــــــولا
وذويــه مـن أهــــل الــقــــرون الأولى
الـمـضـــافَ إليـه والـمفعــولا ولو أن في التصحيح نفعـاً يرتجى
لــكــن أُصـلِّــحُ غـــلــطــــــةً نــحـــــويــــةً
مــســتــشـــهــداً بـالــغــــــرِّ مــن آيـاتـــه
وأغوص في الشعر القديم فأنتقي
وأكـاد أبـعـث سـيـبـويــْهِ مـن البلى
فــأرى حــــمــاراً بـعـــد ذلك كــلِّـــه رفــــع
فالمعلم الذي يرى شوقي أنه يؤدي رسالة تكاد تماثل رسالات الأنبياء، وأنه يربي أجيالاً، وينشئ أنفساً وعقولا، هو عند طوقان شخص بائسٌ معذَّب يعيش حياة النكد والكآبة، وهي فرصة سانحة لكل من يريد أن يضع لحياته حدَّاً أن يمارس مهنة التدريس؛ فالمعلم لا يُعمَّر في الحياة إلا قليلا.
ووقــعــــت مــا بين البـنـوك قـتـيـــلا
إن الـمـــعـلــــــم لا يـعـيــش طــويـــلا لا تعجبوا إن صحت يوماً صيحـةً
يـا مــن يـريــد الانـتـحـــارَ وجــدتـــه
ولا شك أنك تدرك؛ عزيزي القارئ، أن الشاعر إبراهيم طوقان ما كان يقصد الإساءة إلى تلك المهنة الإنسانية النبيلة أو إلى من يمتهنونها من أساتذة ومربين؛ ولا إلى النيل من أبنائنا التلاميذ الصغار، ولكنه أراد أن يرسم البسمة على شفاهنا بهذه القصيدة الكوميدية التي تصف حال المعلم بأسلوبٍ ساخرٍ يفيض طرافةً ودعابةً ومرحًا.
| |
|