قصة الرجل الذي غالطني في الشعر حتى قال......

بسم الله الرحمن الرحيم
حكاية الزول الغالطني في الشعر
لحدي ما قال لي: (والله كان طارت غنماية !!)

حدثت هذه القصة منذ 29 سنة مضت، تحديداً في مطلع أبريل عام 1983م، وأنا كنت وقتها شاباً في الريعان، فقد قدمنا حديثاً إلى عاصمة المملكة العربية السعودية لنعمل موظفين في شركة هناك، وكانت الشركة تعج بالسودانيين، وأذكر أنه في أوائل أيامنا بالشركة أقام الموظفون السودانيون حفلاً لزميل لهم كان على وشك السفر إلى السودان لإتمام مراسم زواجه، وأذكر أنني قرأت طرفاً من أشعاري في ذلك الحفل، فعرف البعض أن هذا الشاب الجديد شاعر!!

بعدها بأيام جئت ماراً بمكاتب موظفي قسم التسويات، وإذا بأحدهم يناديني: لو سمحت يا شاب تعال دقيقة!! ذهبت إليه ووجدت معه شخصاً آخر أكبر منه سناً، سألني ذلك الشاب بأدب، هل تعرف من هو قائل هذه الأبيات:

وَإِذا الـمَطِيُّ بِـنا بَـلَغـنَ مُحَمَّــــداً *** فَـظُهورُهُنَّ عَـلى الرِّجالِ حَرامُ
قَـرَّبْنَنا مِن خَيرِ مَن وَطِئَ الثَّرى *** فَـلَهـــا عَـلَينــــــــا حُـرمَــــــةٌ وَذِمـامُ

فأجبته على الفور، هذه الأبيات لأبي نواس من قصيدة مطلعها؛ (يـا دارُ مـا فَـعَلَت بِكِ الأَيّامُ) .... فقاطعني الشخص الآخر الذي يكبره سناً: يستحيل أن تكون هذه الأبيات لأبي نواس، بل هي لمحمد بن الحنفية، يصف فيها محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والقبة الخضراء...

قلت له: هذه الأبيات لأبي نواس وقد درسناها في الصف الثاني الثانوي، من قصيدة كانت مقررة علينا شرحاً وليس حفظاً، ولكنني حفظت بعض أبيات القصيدة لجمالها ولحبي الشديد للشعر... قاطعني ثانية: إن كنت أنت درَست هذه الأبيات؛ فأنا قد درَستها ودرَّستها فأنا كنت معلم لغة عربية في المدارس الثانوية.... ازدادت دهشتي لأنني متأكد مما أقول...

قلت له: محمد المذكور في هذه القصيدة هو الخليفة العباسي السادس محمد الأمين بن هارون الرشيد، وأمه زبيدة بنت جعفر، وليس محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد كان أبو نواس يمدح هذا الخليفة ولم يمدح أحداً بعده، فبعد أن قتله أخوه المأمون العباسي، حزن عليه أبو نواس حزناً شديداً، ومما قال في ذلك:

طوى الموتُ ما بيني وبين محمدٍ *** وليس لما تطوي المنيةُ ناشرُ
لئن عمُـرتْ دارٌ بِمـن لا أحبهـم *** فقد عمُرتْ مِمَّن أحبُّ المقابرُ

قال لي: من المستحيل أن يكون قائل هذه الأبيات أبو نواس وهي لا تشبه شعره على الإطلاق...

قلت له: أتظن أن كل شعر أبي نواس في الخمريات والغزل والغلمانيات، فإن له شعراً في المديح وغيره من أغراض الشعر الأخرى...

قال لي: بل قائل هذه ا لأبيات محمد بن الحنفية والممدوح المذكور فيها هو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) فهو خير من وطئ الثرى....

قلت له: نعم رسول الله هو خير من وطئ الثرى، ولكن الشاعر هنا يقصد محمد الأمين الخليفة العباسي، والدليل باقي أبيات القصيدة...

قال: ما هي تلك الأبيات؟؟!!

قلت له: مما أحفظ من أبيات هذه القصيدة قول الشاعر:

رُفِـعَ الـحِجـــابُ لَنا فَلاحَ لِناظِرٍ *** قَـمَــــرٌ تَـقَطَّــعُ دونَـــهُ الأَوهـــــامُ
مَـلِكٌ إِذا عَـلِقَت يَداكَ بِحَبلِهِ *** لا يَـعتَـريـكَ الـبُـؤسُ وَالإِعـدامُ
مَلِكٌ إِذا اعتَسَرَ الأُمورَ مَضى بِهِ *** رَأيٌ يَـفَلُّ الـسَيفَ وَهوَ حُسامُ
فَـالبَهــــوُ مُـشتَمِـلٌ بِـبَدرِ خِلافَـــــةٍ *** لَـبِسَ الـشَـبـابَ بِنـورِهِ الإِسلامُ

قلت له: فالشاعر قد وصف الممدوح هنا بأنه ملك وأنه بدر خلافة، والرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكن ملكاً ولا خليفة، وأنهم نظروا إليه بعد أن رفع الحجاب، فكيف ينظر للرسول (صلى الله عليه وسلم) من يزور القبة الخضراء كما زعمت، ثم إن محمد بن الحنفية هو أحد أبناء علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) من زوجة له من بني حنيفة، لذلك يقال له ابن الحنفية، وقد كان من أهل الفضل والعلم، ولم يعرف عنه أنه كان شاعراً!!

قال لي: لا أصدقك مهما قلت، ولا أصدق أن هذا الشعر لأبي نواس وليس لمحمد بن الحنفية...

قلت له: لقد كان عندي ديوان أبي نواس عندما كنت في السودان، ولكنني أضعته...

حينئذٍ قال الشاب الآخر الذي سألني أول مرة: أظن أن ديوان أبي نواس عندي في الغرفة، وهي في الطابق الأعلى، فانتظروني حتى أحضره.

قلت له: الآن أتيت بالحل الناجع والجواب الكافي..

صعد الأخ إلى الطابق العلوي حيث كانت غرف سكنهم، وجاء يحمل ديوان أبي نواس في يده، فأخذته منه وفتحت مكان هذه القصيدة بسرعة لأني أعرف مكانها، فالديوان مفهرس حسب قوافي القصائد...

فتحت الصفحة وقلت لذلك المعلم السابق: انظر هذه هي القصيدة موجودة في ديوان أبي نواس...

فقال لي (بالعامية السودانية): والله إلا يكون سارقها من محمد بن الحنفية!!! وهذه مطابقة لقول من قال: (والله كان طارت غنماية)

لم أزد معه على ذلك، وانصرفت لحال سبيلي، ولكني علمت بعد ذلك أنه اقتنع في قرارة نفسه بأنه مخطئ، ولكنه كان يكابر أو أنه استحيا أن يعترف بخطئه أمام شاب يعد من تلاميذه... فهمت ذلك لأنه بعد تلك الحادثة كان كلما لقيني يسألني عن الشعر والأدب....

من العجيب أن من أبيات هذه القصيدة هذين البيتين:

أَصبَحتَ يا اِبنَ زُبَيدَةَ اِبنَةِ جَعفَرٍ *** أَمَـلاً لِـعَقدِ حِـبـالِهِ اِستِحكامُ
فَـسَلِمـتَ لِلأَمـــرِ الَّذي تُرجى لَهُ *** وَتَـقاعَسَت عَـن يَومِكَ الأَيّامُ

زائر

يا سلام عليك والله انا زاتى لوما برهانك هذا كنت أظن ان هذه القصيدة فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ،وهذه معلومة جديدة اضفتها لنا أيها المعلم الفذ فلك الشكر كل الشكر على هذا الإبداع.

Admin عدد المساهمات : 302 تاريخ التسجيل : 30/12/2007

والله زي ماقالو ناس تغالطك في ضلك
بس نحنا منتظرين منك زكرياتك مع الشعر
والشعر اء في الايام الخوالي ايام فرسان في الميدان
ايام كانت للشعر والشعراء منابر وكنت واحد من فرسانها
ايام وليالي البركس وهبئة حلمنتيش العليا
وننتظر منك سفرا اخر واقترح ان يكو ن يعنوان حكايتي مع الشعر
من يدري قد يكون كتابا يوما ما او صفحات من سيره علم شغل الناس
فسطر لنا حكايتك مع الشعر والشعراء كامله ولك منا التحيه والانتظار

تشكر الخال اسماعيل على التوضيح وانا اتزكر هذة القصيدة تماما وكانت من ضمن

المنهج ,, وتوجد فى النقد الادبى فى الصف الثالث ثانوى .. وقد شرحة لنا الاستاز الطيب

موسى وهو استاز بمدرسة العقدة ومن أهالى قرية العقدة .. وكانت خبرته فى التدريس أكثر من 5سنين

فى مدرسة العقدة الثانوية ....وقال ان هذة الابيات فى مدح رسول الله صلى الله علية وسلم .. وقد رسخت

فى زهنى من تلك اللحظة أنها فى مدح النبى الكريم .......ووالله لم اعرف انها غير ذلك الا بعد أن قرأءت موضوعك

هذا وتشكر كتير على المعلومة والافادة واكيد منك نستفيد يا خال اسماعيل ولك التحية والاحترام يا درة منتديات العريجا

» ابيات من الشعر صارت امثالا وحكما
» الشر الذي تقدمه يبقى معك، والخير الذي تقدمه يعود إليك
» من عيون الشعر السوداني
» مفارقات في الشعر العربي
» أعظم مرثية في الشعر العربي