ذكرياتي عن فقيد العريجاء الراحل المقيم موسى ملك الدار
أكتب عنه هذه الخواطر وشتات الذكريات عسى أن يطلع عليها من يترحم عليه ويدعو له بالمغفرة
أنا وهو في سن واحدة تقريباً، وإن كنت أتقدمه في الدارسة بسنة واحدة، فهو قد زامل شقيقي عمر في مراحل الدارسة الثلاث الأولى؛ الابتدائية بالعريجاء، والمتوسطة بالكريمت، والثانوية بحنتوب.. وكان من المتفوقين في جميع مراحل دراسته، حيث درس المرحلة الجامعية بمعهد شمبات الزراعي، ثم أكمل دارسة البكلاريوس بجامعة الاسكندرية.
كان (رحمه الله) بشوشاً عفوي الطباع، اجتماعياً حلو الشمائل، وقد رأينا أثر ذلك في وجوه زملائه في العمل بوزارة الصحة القطرية، ومن مختلف الجنسيات، حيث شاركونا تشييع جثمانه وهم يذرفون الدموع، ويبكون عليه كما يبكي الشقيق على شقيقه...
كان يشاركنا في كل مشروع أو عمل من أعمال الخير لصالح العريجاء وأهلها، وكان يساهم في ذلك بالنصيب الأوفر، ويدفع بسخاء وعن طيب نفس. وكان إذا سافر إلى العريجاء يطوف على أهلها بيتاً بيتاً، ولا يترك منزلاً إلا يدخله ويسلم على جميع أهله، وليس فينا جميعاً من يفعل ذلك غيره (عليه رحمة الله الواسعة).
في يوم السبت الموافق الثامن عشر من شهر رمضان الماضي، دعوته إلى الإفطار ببيتي مع مجموعة من الإخوة منهم شقيقه حسن ملك الدار، وكنت سأقبل عذره لو اعتذر عن تلبية الدعوة، لعلمي بأنه مريض.. ولكن نفسه الكريمة أبت إلا أن يلبي دعوتي، فأتاني مستنداً على كتفي رجلين، حتى شاركنا ذلك الإفطار الرمضاني، وإن لم يتناول شيئاً يذكر سوى الماء البارد .. وسوف لن أنسى له هذا الفضل ما حييت، حتى ألحق به في الدار الآخرة...
من مواقفه الطريفة أنه سافر عام 1994م إلى السودان، وذلك بعد أن أنجبت ابني الأكبر (مسلم)، فحكي لي أن امرأة من العريجاء سألته عن ذلك: إتّ سماعين سمّى ولدو منو؟؟؟ فقال لها: سمّاه مسلم، فقالت: شوفي الطمسة!! خبارو خاف شايفلو زول في الحلة دي كافر ؟؟؟
في أوائل الثمانينات كان يعمل في شركة (ديري لاند للألبان) بالخرطوم، وكانت والدتنا الماجدة (عليها رحمة الله) ترقد بمستشفى الخرطوم، فجاء إلى زيارتها يوماً، وبدأ يحدثنا عن طبيعة العمل عندهم بالشركة.. قال أنهم يحلبون الأبقار مرتين في اليوم، عند الخامسة مساءً، والخامسة صباحاً، فقلت له على الفور: يعني وكت المرواح ووكت ال... وكان معنا أحمد ود البشير ود كرم الله؛ فأتم كلامي قائلاً: وكت المرواح ووكت السربة... ثم قال لنا موسى (عليه رحمة الله): البقر كان أبن ما يدرّن بنديهم حقنة تخليهن يدرّن اللبن بغزارة.. فبادرته قائلاً: ياحقاتنو لبنكم مسيخ ... فقال أحمد ضاحكاً: عشان جايبنو بالغصب!!
كان يحفظ كل الأناشيد والأهازيج التي يؤلفها زملاؤه الطلاب بمختلف المدارس، من ذلك النشيد الطريف الذي ألفه أحد زملائه بمدرسة الكريمت الثانوية العامة، والذي كان يجاري فيه ملحمة أكتوبر الشهيرة، ويصف فيه حالة البؤس والمعاناة التي يعيشها الطلاب بالداخلية:
ود العباس هدافنا الأول
وما اتراجعنا..
شلنا كتبنا للمدرسة جينا
وما اتراجعنا..
حصتين انتهن للسفرة مشينا
أكلنا الفووووووول
حلفنا نقووووووول:
نص العيشة لن يكفينا
صحن الرز شوية علينا
نطي فوق يا فولة نطي
إنت أصلك ما نجضتي
رحل عن دنيانا الفانية فجر الثلاثاء 13 شوال 1434هـ، الموافق 20 أغسطس 2013م، إثر علة لم تمهله طويلاً.. نسأل الله أن يجعلها له شهادة، وأن يكتبه عنده في سجل الشهداء، ويدخله الجنة بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب، مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا..