بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرياتي عن فقيد العريجاء الراحل الحاج محمد إبراهيم آدم (عليه رحمة الله)
أكتب عنه نتفاً من الخواطر وشتات الذكريات، عسى أن يطلع عليها من يترحم عليه، ويدعو له بالمغفرة والرضوان..
الحاج محمد إبراهيم آدم (عليه رحمة الله الواسعة) من أعلام العريجاء، وأعيانها، ورموزها .. موطنه الأصلي في منطقة جبل الأولياء (البجة عبد الهادي) و(تريعة البجا)، ولكنه كان يقيم في جنوب الجزيرة (منطقة الحوش) قبل أن يرتحل عنها ويأتي إلى العريجاء برفقة أسرته الكريمة.. وعندما جاء إلى منطقتنا، في أخريات خمسينات القرن الماضي، أراد أن يقيم في قرية الرضيمة، فقالت له خالتنا آمنة بت البشير (عليها رحمة الله الواسعة): ( طالما أنك ارتحلت بنا من منزلنا، وجئت بنا إلى هذه المنطقة، فلا أقل من أن تنزل بي في قرية أهلي، وهي العريجاء) فما كان منه إلا أن لبَّى رغبة زوجته الكبرى، ونزل بالعريجاء .. طبعاً خالتنا آمنة تنتمي إلى أهلنا محس العريجاء، فجدتها لأمها هي ست أبوها بت صباحي، أخت أولاد صباحي ود عتمان ود رحمة ( الحسين وحامد وفضل الله وبلتنا).. هذا بالإضافة إلى أن أمها هي زينب بت ود شقلي، شقيقة كل من أحمد وعمر أولاد شقلي، الذين كانوا يقيمون بالعريجاء.. ولعلكم تعلمون أيضاً أن خالنا أحمد ود شقلي (عليه رحمة الله) كان متزوجاً من البهجة إبراهيم آدم، شقيقة حاج محمد ود إبراهيم (عليهم جميعاً رحمة الله الواسعة).
كان لحاج محمد (عليه رحمة الله) زوجتان، هما الخالة آمنة بت البشير (عليها رحمة الله) والخالة عجبت، وقد أنجبن له من البنين: عثمان، والسر، ودفع الله، والفاضل، وأحمد، ومن البنات: التومة (عليها رحمة الله)، والروضة، ومحاسن، وست أبوها، ورشيدة، ونوال، والبهجة، وآمال (عليها رحمة الله).. وكان حاج محمد (عليه شآبيب رحمة ربه ورضوانه) سخياً جواداً كريماً، فكل مولود يُسمي باسمه يعطيه بقرة ..
آخر لقاء جمعني بالحاج محمد إبراهيم آدم كان خلال آخر إجازة سنوية لي، وذلك عام 2008م، وقد زرته في بيته، وكان برفقتنا في ذلك المجلس الخال حسن عبد الله الحسن، حيث أسمعنا حاج محمد مربوعات رائعة من الدوبيت، كلها في الفراسة والكرم والأخلاق الكريمة، وأذكر أني دونتها ثم قمت بنشرها في منتديات العريجاء الالكترونية.. ويومها ذكرت للحاج محمد كيف أنني عندما ألقيت مسدار العريجاء أمام الجموع الحاشدة في حفل افتتاح بيارة العريجاء الجديدة، كيف أن الخال عثمان الحسين صباحي (هاش، وقام، وبشَّر، وهز ضرعاتو)، فرد علي حاج محمد قائلاً: (ياخي عثمان ده راجل عنده شعرة)؛ يقصد أن لديه روح حماسية تتفاعل مع مواقف الشهامة والكرم...
من مواقف حاج محمد (عليه رحمة الله) العجيبة ما حدث في يوم زواج ابنته الكبرى التومة (عليها رحمة الله).. فقد جاءت السيرة من الجبل، وكان العريس هو ابن أخيه الفاضل أحمد إبراهيم .. في حفلة ذلك العرس جاء مجموعة من شباب العريجاء وهم سكارى، ودخلوا حلبة الحفلة، وركزوا للبطان وخلعوا العراريق وشمَّروا، وأصروا ألا يخرجوا قبل أن يجلدهم العريس بالسوط .. ولكن العريس رفض أن يفعل ذلك، وهم رفضوا أن يخرجوا، وألحوا على العريس بأن يجلدهم .. فما كان من حاج محمد إلا أن انتفض وأخذ السوط بيمينه ودخل الساحة وهو يقول: (أبوك يا التومة)، ثم انهال على أولئك الشباب ضرباً بسوط العنج حتى سالت الدماء من ظهورهم، وسمعنا أن بعضهم ظل يعاني من أثار الجراح شهراً كاملاً، وأن بعضهم كان يعالج بالزيت المقلي الحار، وأن بعضهم كان لا يُقلب من جنب إلى جنب إلا بواسطة حبل مربوط في مرق البيت.. واستطاع حاج محمد بذلك أن يضع حداً لمثل تلك (العوارة)، حيث لم يتكرر مثل ذلك المشهد في العريجاء على الإطلاق..
ألا رحم الله الحاج محمد إبراهيم آدم، الرجل الزعيم الشهم الكريم، وجزاه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفرانا، وأنار له في قبره ووسّع له فيه، ولقنه حجته بين يديه، وأمَّنه من الفزع الأكبر، وأدخله الجنة بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب ... ونقله ومن معه من موتى المسلمين من ضيق اللحود ومراتع الدود إلى سعة جناته جنات الخلود، في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود، مع المقربين الشهود، الركع السجود، الموفين بالعهود، ورحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون ...ِ